الأب عبّود جبرايل
كان مار مارون «زينةً في خورس القديسين الإلهيين»، بحسب تيودوريطس، مطران قورش الذي عاش بين القرنَيْن الرابع والخامس. حبُّه للحياة تحت قبّة السماء جعله يعيش على رابية شهدت في الماضي عبادة الأوثان، بعدما حوّل كل ما فيها إلى عبادة الله. ثمّ، بنى لنفسه صومعةً حقيرة لكنه نادرًا ما كان يلجأ إليها. ولم يكن يكتفي بممارسة الأعمال الشاقّة، بل كان يبشّر ويجذب الكثيرين إلى المزيد من الأعمال الروحيّة.
موهبة الأشفية
إن موزّع الخيرات بسخاءٍ قد أغدق على مار مارون موهبة الأشفية، فذاع صيته في كل مكان، وراحت الجموع تتهافت إليه من كل أنحاء سوريا. وفي أثناء عمله، كان يحاول إرشاد الناس إلى التعليم الحقّ، فكان يرى الأوبئة تزول بندى بركته، والأمراض تُعالَجُ بدواء صلاته، فعند الذين يتعاطون الطبّ دواءٌ لكل داء، أمّا عند القديسين، فعلاج الأسقام صلاة.
معلّم نسّاك القورشيّة
لم يكتفِ مارون بشفاء أمراض الجسد فحسب، بل كان أيضًا يأتي للنفوس بالعلاج المفيد، فيشفي هذا من داء البخل، وذاك من الغضب، مانحًا الجميع هذا التعليم المؤدّي إلى الحكمة، وواضعًا لهم الإرشادات إلى الفضيلة، فيروّض ميوعة هذا، وينعش كسل ذاك. فكان «الزارع لله في جوار قورش، ذلك الفردوس الزاهر حتى الآن» بحسب تيودوريطس، والذي يمكن أن يُطلَق عليه بجدارةٍ ذلك الصوت النبويّ: «الصدّيقُ كالنخلة يُزهر، وكالأرز في لبنان ينمو» (مزمور 92: 12).
ذكراه أبديّة
بعدما انكبّ على البشارة واستطاع أن يشفي الأجساد والنفوس معًا، انتابه مرضٌ بسيط أودى بحياته.
إثر ذلك، قام نزاعٌ شديد بين القرى المجاورة، رغبةً من كلٍّ منها في الاستيلاء على جثمانه. لكن هذا الكنز المرغوب فيه انتُزِعَ، وكان من نصيب بلدة على الحدود، كثيرة الرجال، أقبلت بأسرها، وأخذت الجثمان، وشيّدت له عندهم مقامًا فخمًا. وهي منذ ذلك الوقت حتى يومنا الحالي تنعم بشفاعته، فتُكرّمُ هذا القديس العظيم بمهرجانٍ شعبي حاشد. أما نحن، فعلى الرغم من ابتعاده عنّا جسديًّا، إلا أنّنا ما زلنا ننال بركته، فذكراه باقية في قلوبنا إلى الأبد.