غيتا مارون
في 22 تشرين الثاني 1982، بدأت قصّتها مع مريم العذراء.
احتضنتها أمّ النور، وائتمنتها على وديعة خلاصيّة، ففاضت النعم والبركات في حياتها.
وهبها الربّ باقات حبّ لتُزهر في قلب الكنيسة دعوة ملحّة إلى عيش الوحدة وتقبُّل الآخر.
ارتبط اسمها بشارع الصوفانيّة في دمشق، فحملت البشرى من سوريا إلى العالم، متحدّية مآسي الحرب وويلاتها.
إنها ميرنا الأخرس أو ميرنا الصوفانيّة التي تخبر «قلم غار» عن مسيرتها المشعّة بالخيرات الإلهيّة والعبق المريمي.
اسمها ماري الأخرس نظور (من مواليد 1964)، لكن العائلة تناديها ميرنا منذ صغرها. هي أمّ لولدَيْن، وجدّة لأربعة أحفاد. نشأت في كنف عائلة مؤمنة تحبّ يسوع وأمّه، ولم تكن تتوقّع يومًا ما سيحصل معها.
شذا مريمي وبشرى شفاء
تستعيد ميرنا اليوم المبارك الذي غمرته مريم العذراء بردائها، فأمطرت نعمًا أغنت كثيرين، قائلة: «في خلال صلاة البراكليسي (الدعاء للعذراء)، يوم الأربعاء 22 تشرين الثاني 1982، بدأت يداي ترشحان زيتًا، في حضور 10 نسوة، منهن حماتي وابنتاها…
حينئذٍ، علت الصرخة: “هذه نعمة إلهيّة! قومي، وامسحي لنا جسمنا بالزيت!”.
تسمّرت في مكاني، متسائلة: ما معنى نعمة إلهيّة؟ لماذا اختارني الله ليهبني إيّاها؟ لم أجد تفسيرًا لذلك، ولم أحاول أن أفسّر ما حصل. شعرت بالتوتّر الشديد.
بعد يومَيْن، علمت أمّي بما حدث، ودعتني لزيارتها. كانت مريضة؛ تعاني من كسر في العمود الفقري وتحتاج إلى عمليّة جراحيّة.
لبّيت دعوتها، فطلبَت مني الجلوس قربها ورفع الصلاة؛ عند تلاوة الأبانا والسلام، رشحت يداي زيتًا. عندئذٍ، أجهشت بالبكاء. فقالت لي: لا تخافي! صلّي! سلّمي أمرك لله!
من ثمّ، سألتني أن أمسح ظهرها بالزيت. وهذا ما حصل، فشُفيت أمّي على الفور، وزالت كل آلامها.
منذ ذلك الحين، اعتنت أمّي بي طوال السنوات الماضية، ولم تعد تتناول الدواء، وقالت: “إن الربّ شفاني كي أساعد ميرنا في رسالتها”.
في صباح الاثنين 27 تشرين الثاني 1982، بدأت صورة مريم الموجودة في بيتنا تنضح زيتًا، وقد أصبحت هذه الصورة تُعْرَف بسيّدة الصوفانيّة في ما بعد.
حينها، تملّكنا الخوف وقرّرنا عدم إخبار أحد بما حصل لكنني سمعت صوت سيّدة في الغرفة، متوجّهًا إليّ بالقول: “ابنتي ماري، لا تخافي! أنا معك! افتحي الأبواب! لا تحرمي أحدًا من رؤيتي! أضيئي لي شمعة!”.
انتشر الخبر السار، وبقيت هذه الصورة تنضح زيتًا على مدى شهر، وتحوّلت غرفتنا ملجأً للمرضى».
علامات حبّ الله
تتحدّث ميرنا عن حصول 5 ظهورات مريميّة وتلقّي 40 رسالة من العذراء، مؤكدة أن أهمّ ما ورد في الرسائل تمثّل في الدعوة إلى الصلاة والمحبّة والغفران والسير على خطى الربّ.
وتضيف: «يحدث الظهور المريمي في مناسبة معيّنة حسب التقويم الكنسي»، مشيرة إلى أن الظهورات توقفت في العام 2017.
في المقابل، تردف: «عمل الله لا يتوقف. لقد أعطانا الربّ علامات كثيرة، إنما أهمّها الرسالة.
وتقول: «الله يرغب في أن نحبّ الآخرين، ونغفر لهم، ونتقبّلهم مثله. أصبح دورنا أن نكون العلامة»، مشدّدة على أن الدعوة الأكثر أهمّية تكمن في وحدة العائلة والكنيسة.
وتوضح أن وحدة الكنيسة لا تعني إلغاء الطوائف لأنها تغنيها، بل قبول الآخرين ومحبّتهم.
معجزات وشفاءات موثّقة
تخبر ميرنا أن مجموعة من التحاليل أُجريت في الشام وألمانيا وفرنسا على الزيت الذي رشح من يديها وصورة سيّدة الصوفانيّة، وقد بيّنت نتائجها أنّه زيت زيتون صافٍ.
أما المعجزات والشفاءات الروحيّة والجسديّة بشفاعة سيّدة الصوفانيّة، فهي كثيرة، على حدّ قولها.
وتلفت إلى أن الأب الراحل يوسف معلولي، كاهن رعيّة باب توما، وثّق العجائب والشفاءات، وأن الأب الياس زحلاوي، كاهن رعيّة كنيسة سيّدة دمشق، يهتمّ بتوثيقها حاليًّا. كما تشير إلى أن السفير البابوي السابق في سوريا لويجي أكولي وثّقها في الفاتيكان، وخُصِّصَ مركز في فيا أوريليا-روما للصوفانيّة، أُطلق عليه اسم «سيّدة الصوفانيّة وبادري بيو».
من جهة أخرى، تؤكد ميرنا أن أهمّ شفاء يجب أن يحصل هو شفاء الكنيسة، فهي المجروحة اليوم والمحتاجة إلى مسحة زيت لتتعافى.
وتتابع: «في العام 1993، تنبّأت مريم بوقوع الحرب في سوريا إذ قالت لي: «أيّام صعبة آتية. حرب وجوع في العالم العربي، وخاصة في سوريا. لن تخلصوا إلا باسم يسوع».
في حضرة البابا فرنسيس
تواصل ميرنا سرد اختبارها، وتتطرّق إلى لقائها البابا فرنسيس في تشرين الأوّل 2016، فتقول: «تأثرت بنظراته. حين اقتربت منه لأعرّفه بنفسي، قال لي: “أعرفك! أعرف الصوفانيّة!”. أهديته كتاب الصوفانيّة، فبارك قلنسوة بابويّة اشتراها زميلي من الفاتيكان، وأعطانا إيّاها لنضعها في كابيلا الصوفانيّة.
وردًّا على سؤال متعلّق بموقف الكنيسة من الظهورات، تقول ميرنا إنها ما زالت في حالة انتظار.
مصلوبة أم ممجّدة؟
تروي ميرنا أنها تلقّت أيضًا رسائلَ عدّة من يسوع، أوّلها في 18 كانون الأوّل 1982، مشيرة إلى أن أهمّها الحوار معه في 26 تشرين الثاني 1985.
وجاء في هذا الحوار، بحسب قولها: «سألني يسوع: ابنتي، أتريدين أن تكوني مصلوبة أم ممجّدة؟ أجبت: ممجّدة.
فسأل: أتفضّلين أن تكوني ممجّدة من الخلق أو الخالق؟ أجبت: أفضّل أن أكون ممجّدة من الخالق.
فأردف: هذا يكون بالصلب لأنك كلما نظرت إلى الخلائق، ابتعد عنك نظر الخالق. أريدك يا ابنتي أن تجتهدي بالصلاة وتحتقري نفسك. فمن احتقر نفسه، ازداد قوّة ورفعة من الله. أنا صلبت حبًّا بكم، وأريد أن تحيوا وتتحمّلوا صليبكم من أجلي بطوع وصبر ومحبّة، وتنتظروا قدومي. فمن شاركني بالعذاب، أشاركه بالمجد، ولا خلاص للنفس إلا بالصليب».
الربّ يمدّها بالقوّة
تؤكد ميرنا أنها واجهت صعوبات جمّة، وتضايقت من انتشار شائعات مفادها أن ما يحصل معها مجرّد أعمال شيطانيّة أو أمور تهدف إلى التجارة والشهرة أو أقاويل تشير إلى وجوب هجر زوجها والترهّب.
وتشدّد على أن الربّ مدّها بالقوّة، فسلّمته كيانها وتركت مشيئته تعمل في حياتها، على الرغم من عدم فهمها ماذا يحصل معها، ما جعل السكينة تعود إلى قلبها.
وتلفت إلى أن الجواب أتاها أيضًا من مريم: «ما جئت لأفرّق حياتك الزوجيّة. ستبقى كما هي»، ومن يسوع: «استمرّي في حياتك زوجة وأمًّا وأختًا… ما أجمل العائلة التي يتألف شعارها من الوحدة والمحبّة والإيمان، دربها دربي، وعونها أمّي».
إلى ذلك، تتحدّث ميرنا عن تغيير كبير حدث مع زوجها نقولا نظور بعدما زرع الله النعمة في قلبه، فتحوّل من الإلحاد إلى الإيمان إثر معاينته الظهورات والعجائب، ولا سيّما شفاء طفل من الشلل.
3 أيّام من نور
تتابع ميرنا حديثها، مسترجعة بفرح لحظات مباركة لن تنساها طوال عمرها: «في تشرين الثاني 1984، أدهشني الربّ: في خلال 3 أيّام، فقدت بصري، ولم أعد قادرة على رؤية أيّ شيء سوى نوره. كانت أجمل أيّام حياتي. هناك فرق بين أن يرى المرء النور وأن يكون في النور. صُمْتُ وبقيت في السرير في خلال هذه الأيّام الثلاثة. بعد انتهاء صومي، استعدت بصري».
ابنتك تشبهك!
«مريم هي فائقة الوصف. الربّ اختار إنسانة تشبهنا. المهمّ أن نتشبّه بها لأن ما يميّزها عنا ليس شكلها، بل طاعتها وتسليمها للربّ وحبّها وصمتها وصبرها وغايتها المتمثّلة في تمجيد الله.
أجمل ما يُقال للأمّ: ابنتك تشبهك!»، بهذه الكلمات تعبّر ميرنا عن مكانة مريم العذراء في قلبها.
ثقة لامتناهية بالله
تختم ميرنا سرد اختبارها عبر «قلم غار»، رافعة الشكر إلى الله على حضوره الدائم. وتقول إنه بدّد خوفها لأنه دعاها إلى عيش حياتها هنيئة مستقلّة، وإنها تثق به وبكلماته في الكتاب المقدّس: «لا تخافوا. أنا معكم كل الأيّام حتى انقضاء الدهر» (مت 28: 20).