لا تخلو سير القديسين من اختبارات عميقة، ورسائل غنيّة بالعبر التي تغني حياة المؤمنين…
إليكم هذا الاختبار الرائع الذي نقلته لنا معلّمة الكنيسة القديسة تريزيا الطفل يسوع التي اختبرت واقعًا صعبًا جدًا شبيهًا بواقعنا الحالي المهدّد بفيروس كورونا إذ انتشر داء الانفلونزا في العام 1889 في فرنسا، حاصدًا أكثر من 70 ألف شخص في خلال شتاء 1889-1890.
كتبت القديسة تريزيا الطفل يسوع ما يلي (الأعمال الكاملة، مخطوط أ، الفصل الثامن):
الموت في كل مكان…
“بعد شهر من وفاة أمّنا القديسة، تفشّى داء الانفلونزا في الجماعة، وبقيت وحدي سليمة مع أختَيْن أخريَيْن. ويتعذّر إطلاقًا وصف كلّ ما رأيته، وعلى أي حال، بدت لي الحياة، وكل ما هو زائل…
وشهد الاحتفال بيوم ميلادي التاسع عشر وفاة راهبة سرعان ما تلتها وفاة أخريَيْن. وكنت في ذلك الوقت، وحدي مسؤولة عن الموهف (السكرستيا) لأن المسؤولة الأولى، كانت مريضة جدًّا. فكان عليّ أن أُعدّ ما يلزم للدفن، وأن أفتح شعرية الخورص في خلال القداس، إلخ…
وقد منحني الله كثيرًا من نعم القوّة في ذلك الوقت. وأنا اليوم أسأل نفسي: كيف تسنّى لي القيام بكل ما عملته من دون خوف… لقد كان الموت يخيّم في كل موضع. وكانت الأخوات الأشدّ مرضًا يلقين عناية من اللواتي كانت وطأة المرض أخفّ عليهن. وحالما كانت إحدى الأخوات تلفظ أنفاسها الأخيرة، كنا نضطر إلى تركها وحدها. وذات صباح، عند نهوضي من النوم، حدّثتني نفسي بأن الأخت مادلين قد توفيت. وكان الدهليز في ظلام حالك، ولا أحد يخرج من القلالي. وبعد تردّد، قرّرت أخيرًا دخول غرفة الأخت مادلين التي كان بابها مفتوحًا، فوجدتها لابسة وراقدة على فراش القشّ ولم يخالجني أيّ خوف. وإذ رأيت أن ليس لديها شمعة، ذهبت وجلبت لها واحدة مع إكليل من ورد.
مسحة من الفرح والسلام
وفي مساء يوم وفاة الأمّ نائبة الرئيسة، كنت وحدي مع الأخت الممرّضة. ويتعذّر علينا أن نتصوّر حالة جماعتنا الكئيبة في ذلك الوقت؛ الصحيحات وحدهن يستطعن تصوّر تلك الحالة، إلا انّني وسط هذا التخلّي، كنت أشعر بأن الله يسهر علينا. فالمحتضرات كنّ ينتقلن بغير جهد إلى حياة فضلى، فترتسم حالًا بعد موتهن إمارات الفرح والسلام على وجوههن، وكأنهن في رقاد هادئ. وفي الحقيقة، كان رقادًا هانئًا، إذ بعد أن تزول صورة هذا العالم، سيستيقظن كي ينعمن مدى الأبد بالمباهج المعدّة للمختارين.
غمرني يسوع بألطافه…
طيلة أيام محنة جماعتنا، حظيت بتعزية تفوق الوصف، وهي أن أتناول القربان كل يوم… آه! ما أطيب ذلك! فقد غمرني يسوع بألطافه طويلًا، إذ سمح بأن يُعطى لي من دون أن تحظى الأخريات بسعادة اقتباله. وكنت سعيدة جدًّا بلمس الآنية المقدّسة، وتهيئة القماطات الصغيرة المعدّة لاستقبال يسوع. وكنت أشعر بوجوب أن أكون على تقوى حارّة، ولطالما تذكّرت تلك الكلمة الموجّهة إلى شمّاس قديس: “كن قديسًا، يا من تلمس آنية الربّ” (أش 52: 11).