غيتا مارون
إن القديسة جيانا بيريتا مولا، الطبيبة والأمّ التي قدّمت نفسها ذبيحة على مذبح الربّ، تشهد من خلال حياتها بأن الدعوة للقداسة موجّهة إلى الجميع، وليست مقتصرة على المكرّسين فقط، بل تعني العلمانيين الذين يكتشفون دعوتهم في قلب الكنيسة، ويقرّرون الشهادة للحبّ.
الأمّ والرسولة والطبيبة
ولدت جيانا بيريتا مولا في ماجينتا (ميلانو- إيطاليا) في 4 تشرين الأوّل 1922، وترعرعت في كنف عائلة ملتزمة؛ هي العاشرة في أسرة مؤلفة من ثلاثة عشر فردًا بينهم راهب وكاهن كبوشي مُرسل في البرازيل، وراهبة مرسلة في الهند. كانت تهتمّ باليتامى والعجزة، وتشارك في الذبيحة الإلهيّة يوميًّا.
في العام 1941، نالت شهادة البكالوريوس في الطبّ والجراحة من جامعة “بافي”، فأنشأت في العام 1950 مستوصفًا في ميسيرو، وتخصّصت في طبّ الأطفال في جامعة ميلانو.
اتّخذت الطبّ مهنةً ورسالة، وجدّدت التزامها في العمل الكاثوليكي باذلة ذاتها من دون شروط، ورغبت في تأسيس عائلة مسيحيّة، فتزوّجت المهندس بيار مولا في 24 أيلول 1955، وعاشا حياة هانئة.
رُزق الزوجان بثلاث فتيات هنّ ماريا وزيتا ولورا. من ثم، فقدت جيانا جنينَيْن، لكنها اختبرت سرّ الألم في حياتها في العام 1961، في خلال حملها الرابع، بعدما اتّضح للأطبّاء أنها تعاني من سرطان الرحم ما يوجب استئصاله.
خيار جيانا من دون تردّد
على الرغم من إدراكها مخاطر الاستمرار في الحمل في حالتها، خيّرها الأطبّاء بين ثلاثة حلول: الإجهاض أو استئصال الرحم أو استئصال الورم فقط، علمًا بأن الكنيسة الكاثوليكيّة سمحت باستئصال الرحم في حالات الأورام حفاظًا على حياة الأم إلا أن جيانا اختارت إزالة الورم فقط باعتباره الخيار الوحيد الذي يحفظ حياة الجنين، وإن كان يُعَرِّض حياتها للخطر.
قبل أن تخضع جيانا للجراحة، طلبت من أسرتها إذا ما اضطرت إلى الاختيار بين حياتها وحياة طفلها في خلال العمليّة أن تختار حياة الطفل، وتضرّعت إلى الله كي ينقذ جنينها، قائلة: يا ربّ، إذا أردت أن تختار بيني وبين الطفل، فلا تتردّد! أنا كلّي لك، وأتوسّل إليك أن تنقذ حياته!
قضت جيانا الأشهر السبعة المتبقّية من حملها في جمعيّة العمل الكاثوليكي، وتابعت عملها في الطبّ بنعمة الروح القدس.
في 21 نيسان 1962، حانت ساعة الولادة في الجمعة العظيمة من أسبوع الآلام، وأعربت جيانا عن إصرارها على الحفاظ على حياة الطفل، مهما كانت العواقب وخيمة.
بعد جراحة قيصريّة، رُزِقت بطفلتها الأخيرة جيانا-إيمانويلا لكنها فارقت الحياة بعد مرور أسبوع على ولادتها في 28 نيسان 1962 إثر مضاعفات شديدة.
كلماتها الأخيرة: أحبّك يا يسوع!
كانت جيانا تردّد كلماتها الأخيرة: “أحبّك يا يسوع”، وفق ما قال الأطبّاء الذين أشرفوا على حالتها وشهدوا على نزاعها الأخير، وأخبروا بأنها استودعت روحها بين يدي خالقها بعدما مزّقتها الآلام المبرّحة.
أطلق البابا بولس السادس مصطلح “الضمير المُضحّي” على جيانا مولا عندما أعلن فضائلها في 23 آب 1973 قائلًا: “إنها أمّ صغيرة أعطت حياتها لطفلتها في يوم وافق الجمعة العظيمة لتُحيي تذكار ما صنعه سيّدها ومُخلّصها في حياتها”…
في 24 نيسان 1994، أعلنها البابا يوحنا بولس الثاني طوباوية، بعد التحقّق من أعجوبة حصلت مع أمّ برازيليّة تمكّنت من الاستمرار في حملها إلى النهاية، بالرغم من حالتها الصعبة، بشفاعة القديسة جيانا في العام 1977.
في 17 أيّار 2004، أعلن البابا يوحنا بولس الثاني قداستها بعدما طلبت أمّ برازيليّة شابة شفاعتها، واستطاعت إنجاب طفلة وسط دهشة الأطبّاء، لأن تمزّق الأغشية في الشهر الرابع من الحمل جعل الجنين ينمو من دون السائل السلوي (ماء الرأس)، وولدت الطفلة في 31 أيّار 2000، في الشهر الثامن بعد جراحة قيصريّة، وكانت تزن 1820 غرامًا، من دون أي مضاعفات حتى التنفسيّة منها، وسُمّيت جيانا-ماريا.
وتتالت المعجزات، وأصبحت جيانا شفيعة الأمّهات.