غيتا مارون
تناولت معلّمة الكنيسة القديسة تريزيا الطفل يسوع في كتاباتها الطريقة الفضلى التي اختارتها في مواجهة الأخوات اللواتي يسبّبن الإزعاج، بناءً على اختبار شخصيّ مفعم بالمحبّة التي لا تُطلق الأحكام على الآخرين، بل تنثر ورود الحبّ في دروبهم.
إليكم ما جاء في كتابات القديسة تريزيا الصغيرة (الأعمال الكاملة، مخطوط ج، 42- 43):
“في جماعة الدير، أختٌ موهوبة بإزعاجي في كل الأمور، فكانت تصرّفاتها وأقوالها وطبعها تبدو لي مزعجة جدًّا. وعلى الرغم من ذلك، فهي راهبة قديسة ولا بدّ أنها مرضيّة لدى الله؛ وإذ لم أشأ الاستسلام للكراهية الطبيعيّة التي كنت أشعر بها تجاهها، قلت في نفسي إن المحبّة يجب ألا تقوم على المشاعر، وإنما على الأعمال. عندئذٍ، بذلت جهدي لكي أعمل لهذه الأخت ما كنت سأفعله لأحبّ شخص لديّ. فكل مرّة كنت ألتقيها، كنت أصلّي إلى الله من أجلها، وأقدّم له كل فضائلها واستحقاقاتها.
وكنت أشعر بأن ذلك الأمر يرضي يسوع؛ فليس من فنّان لا يحبّ تلقّي الثناء على أعماله. ويسوع، فنّان النفوس، هو سعيد عندما لا نتوقّف عند الظاهر، بل ننفذ إلى المقدس الحميم الذي اختاره لنا مسكنًا، ونعجب بجماله.
ولم أكن أكتفي بالإكثار من الصلاة لأجل تلك الأخت التي كانت تسبّب لي كل هذا الصراع، بل كنت أحاول أن أؤدّي لها كل الخدمات الممكنة.
وعندما كانت تراودني تجارب الردّ عليها بجواب جافٍ، كنت أكتفي بأن أبتسم لها أعذب ابتسامة، وأسعى إلى تغيير مجرى الحديث. فقد قيل في كتاب الاقتداء: “أن ندع كل امرئ في ما يشعر خير من التوقّف على المنازعة”.
التغلّب على النفور
غالبًا، عندما كنت أتغيّب عن الفرصة (أقصد في خلال ساعات العمل)، وتضعني علاقات الخدمة على درب هذه الأخت، وعندما تصبح صراعاتي بالغة العنف، كنت أهرب مثل جندي فار.
وبما أنها كانت تجهل تمامًا ما كنت أشعر به نحوها، فلم تشكّ يومًا في دوافع سلوكي، وظلّت متيقّنة من أن طبعها يرضيني.
وذات يوم، في أثناء الفرصة، وجّهت إليّ هذه الكلمات، وهي في غاية السرور: “هلّا قلتِ لي، يا أختي تريز الطفل يسوع، ما الذي يجتذبك نحوي إلى هذا الحدّ؟ فكل مرّة تنظرين إليّ، أراك تبتسمين؟”
آه! إن الذي كان يجتذبني هو يسوع الكامن في عمق نفسها… يسوع الذي يحوّل إلى عذوبة ما هو أشدّ مرارة. فأجبتها أنني كنت أبتسم لكوني مسرورة برؤيتها (طبعًا لم أكن أضيف أن الأمر كان من الوجهة الروحيّة)”.