جويل كامل
اليوم، أصبحت كلمة “تأمّل” حاضرة في أذهان معظم شعوب العالم الحديث. باتت ممارسات التأمّل متنوّعة، تختلف بين ما هو فكريّ أو نفسانيّ محض، وما يهدف إلى الهدوء الجسديّ والعقليّ، وما هو دينيّ تأمّليّ، على تنوّع الانتماءات.
ولكن يبقى السؤال المطروح: ما هذا المبدأ الذي يختلط في الكثير من الأحيان مع مفهوم الصلاة وينجح في أن يدخل البيوت والقلوب؟
لعلّ الإنسان المتديّن اعتاد أن ينظر إلى السماء كلّ يوم ويقول لربّه: ارحمني وبارك هذا النهار.
في المقابل، يكبر الناس، في أنحاء كثيرة من العالم، من دون الالتزام بالدين أو يبتعدون عن ديانة آبائهم لأنّهم سئموا من ممارسة ما يسمّونه شعارات لا يفهمونها، وهم لا يجدون في الدين تحقيقًا لطموحاتهم وتماشيًا مع العصر.
وكثيرون يساوون ما بين الله والمجتمعات الدينيّة، ويلاحظون أنّ بعضًا ممّن يدّعون التديّن يفتقدون الصدق في حياتهم وسلوكهم مع الناس، وينقصهم السلام والرحمة. شيئًا فشيئًا، أمسى الإنسان اليوم ينظر إلى الدين كقيد لحرّيته، وكابت لفكره وشخصيّته، وقاتل لطموحه. لماذا؟
ربما يعود السبب إلى أنّ الإنسان يسيء فهم ما أعلنه الله له في كتابه، ولأنّ بعض المسؤولين الدينّيين يعطون صورة استسلاميّة للإنسان أمام الله، وكأنّه عبد لا دور له في حياته الخاصّة، وهو خاضع للقدر، فيلجأ إلى ما يساعده على النموّ من دون تعقيد.
يختار بعض الناس التأمّل للغوص في ذواتهم واكتشاف حركاتها وشحذ حدّة ذكائهم وإيقاظ ذهنهم إلى خبرات تتجاوز هذا العالم.
ويشرح بعض الناس فائدة التأمل للصحّة ودوره المساعد في النجاح في الحياة.
في الحقيقة، نحن في عالم يتعب فيه الإنسان من نمط حياة بيروقراطيّ يزداد تعقيدًا. وليست هذه الخبرات بالضرورة شيطانيّة، بل هي سعي عقليّ إلى الغوص في اللاوعي والشفاء من عقده أو بلوغ ما يمكن أن تعرفه الروح بالحدس ويبقى في الغيب.
على الصعيد الجسديّ، لا شكّ في أنّ ممارسة بعض التمارين في التنفّس تساعد على تنشيط الدورة الدمويّة التي تعزّز بدورها التفكير، وتسهّل التركيز، وتعيد التوازن إلى الوظائف الحياتيّة للأعضاء.
في هذا الإطار، يبدو التأمّل جذّابًا ومريحًا لأنّه يعد أنّ هذا الاتصال بالكون سيؤول بك إلى طريق التناغم مع الكون وتاليًا إلى النجاح.
ولكن هل هذا خطأ؟ هل فيه ضلال؟
في الحقيقة، إنّ هذا التمرين العقليّ قد لا يزعج ولكنّه غير كافٍ، فخبرة الصلاة الحيّة تشبه قول إيليا النبي “حيّ هو الربّ الذي أنا واقف أمامه”، وإيليا إنسان عاش حياة تأمّليّة، ولم تكن لديه كتب طقسيّة، لكنّه بلغ معرفة الله وقوّة شفاء الأموات حتّى إنّ الله رفعه ولم يمُت.
إنّ التأمّل الذي يرتاح إليه كثيرون اليوم له مناهج كثيرة، لكنّه لا يزيل قلق الإنسان. لعلّ ما ينقص التأمّل هو اليقين بأنّ ما يتحدّث عنه المدرّبون كقوّة روحيّة لا يكتمل من دون حضور الله وفعل الروح القدس.
من يشترك في الأسرار المسيحيّة ويعيشها بصدق، يختبر هذه الحالات من السلام العميق والوعي والإلهام، وأظنّ أنّ الله يكشف نفسه لكلّ من يتوق إلى سلامه وخيره ويهدي خطاه إلى معرفته.