طوني لطيف
اختارت الكنيسة المارونيّة السريانيّة الأنطاكيّة أن تحتفل بعيد مؤسّسها في مثل هذا التاريخ من كل عام، وانتقت غيرها من الكنائس أن تحتفل أيضًا بعيد هذا القديس في تاريخ مختلف، كأنما هذا «السيّد الصغير» أي مارون يعبر وحده كل الطرق الوعرة والفخاخ الكثيرة، يعبر وحيدًا منذ عقود من الزمن، حاملًا جميع أبناء طائفته، لا يفرّق بين كنيسة مشرقيّة أو أخرى بيزنطيّة، كأنه أراد من هذه الهويّة المارونيّة أن تكون هويّة خارج حدود الجغرافيا، أرادها هويّة غير مقيّدة أو تابعة لأيّ شخص أو زعيم، أرادها حرّةً كما عاش حرًّا في العراء، حرًّا في إيمانه، ومعنيًّا فقط ببناء جسر متين لا يتزعزع مع ربّه.
من أنتم أيها الموارنة؟!
«الموارنة هم هذا الشعب الصغير الذي حافظ على هويّته التاريخيّة عبر الثبات في الموقف والكفاح المستمر ضدّ الجبور، وتمكّنوا من المحافظة على حقّ الإنسان في الحرّية والعيش الكريم» (كمال صليبي).
أمّا اليوم، فالكثير منهم استبدلوا هويّتهم المارونيّة بمناصب أو زعامات «تبعيّة» وهم ليسوا بقلّة، ومنهم من ساهم في هدم الفكر الذي ورثه عن أجداده ومزّق هويّته سعيًا وراء منصب من هنا أو كرسي من هناك.
إن مشكلتنا تكمن في أننا استبدلنا الأصنام الوثنيّة التي عبدها الشعب في الماضي وحطّمها القديس مارون بصلواته وقوّة صلابته بأصنام بشريّة نعبدها ونتسكّع على أبوابها وجعلنا منها أدوات تتحكّم بمصيرنا ومستقبل أولادنا، فضاعت منّا هويّتنا الحقيقيّة وبتنا أشباه موارنة لا حول لنا ولا قوّة.
ماذا لو وقف مارون اليوم بيننا وسأل كل واحدٍ منّا، بحسب مسؤوليّاته السياسيّة أو الكنسيّة… ماذا لو سأل قياديًّا: ائتمنتك على شعب، فماذا قدّمتَ له؟
أو سأل مثقّفًا: ائتمنتك على إرث فكري، فماذا طوّرتَ فيه؟
أو سأل مصرفيًّا: ائتمنتك على ودائع إخوتك، فكيف بددّتها؟
أو سأل كاهنًا: ائتمنتك على رعيّة، فماذا قدّمتَ لخرافها؟
أو سأل أستاذًا جامعيًّا: ائتمنتك على أجيالٍ، فكيف بنيتها؟
أو سأل أسقفًا: ائتمنتك على أبرشيّة، فكيف أعدتَ المحبّة الجامعة بين كهنتها؟
أو سأل بطريركًا: ائتمنتك على طائفة عريقة، فماذا فعلت بها؟
هل يستحق من فعل كل تلك الأمور أن يحمل هويّة مارون؟
ها هو مارون يخرج حزينًا مجرجرًا وراءه الخيبة تلو الأخرى، يتطلّع إلى فوق ليرى جسرًا يهوى، يسقط على رؤوس متعجرفة، رؤوس سمحت بأن تجعل من طائفة كانت منذ القديم في أساس المسيحيّة أداة لخدمتها فقط ونسيت أن مؤسّس هذه الطائفة راهبٌ قديس تحمّل صعوبات التنسّك في جبلٍ، كانت الخطيئة تمحو لون حجارته والوثنيّة تفترش ترابه.
هلمّوا يا أبناء مارون!
هلمّوا يا أولاد هذا التاريخ الكبير!
هلمّوا يا مشرقيين!
هلمّوا يا عاشقي الحرّية!
هلمّوا نبني من جديد مع مار مارون هذا الجسر الروحي الذي عبره قبلنا مع سواه من قديسي هذا الشرق، شربل ونعمة الله ورفقا وإسطفان ويعقوب والإخوة المسابكيّون وغيرهم وهم ليسوا بقلّة، ليتّحدوا بالله ويعاينوا بهاء وجهه إلى الأبد.