طوني لطيف
“الدموع هبة من الله، فغالبًا ما نستجمع قوانا المنكسرة بعد البكاء” (فكتور هوغو).
وبعد… أكتبُ ودمعاتُ حزنٍ تنسلّ إلى قلمي، أكتبُ ووجع مريض مضجعهُ دفتري، أكتب وتاريخ وطن يقفُ أمامي حزينًا ومهمّشًا.
تاريخ أجدادنا صار يستحي بنا وتاريخهم يلفظ حاضرنا، كيف لا ونحن مَنْ نعيش في المجهول الذي صنعته أيدينا وخاطته أفكارُنا الشرّيرة ونشره حُبّنا المزيّف لبعضنا بعضًا، فالإنسان لا يحصد إلا ما زرعته يداه.
“وسترجع يومًا، يا ولدي، مكسور الوجدان، وستعلم أنّك كنت تطارد خيط دخان”. قالها نزار قباني على لسان قارئة فنجانه التي صارحته بانعدام أيّ ذرّة أمل في الوصول إلى حبيبته.
قد تكون الحبيبة ليست فقط أنثى إنّما قد تكون قضيّة معيّنة تستهلك منّا الكثير من السعي والحلم والعمل والمواجهة والمطاردة والمغامرة والغضب والبكاء وخوض كل أنواع المعارك… لنعود في النهاية ونكتشف أنّنا كنا نطارد خيوط دخان!
عندما وقف أبا عبد الله، وهو آخر ملوك الأندلس على ربوة، وكان قد سلّم مفاتيح المدينة ليخرج بنسائه وذهبه، نظر وبكى بكاءً مرًّا، فقالت له والدته (القول الشهير الذي نردّده اليوم أيضًا): “ابكِ كالنساء ملكًا لم تحافظ عليه كالرجال”.
ماذا تعلّمنا من أبي عبد الله أو غيره من الذين يبكون أوطانهم؟؟؟
قد تعانقت الأشجار والحريق واحد، وتجمّعت المياه الملوّثة والبحر واحد أيضًا، وتلبّدت السماء بوشاح أسود لامتناهٍ.
شعبٌ تائه، أمّهات يبكين مستقبلًا مجهولًا، شباب يثور على الغد وعجوزٌ يبكي على الأطلال…
نحن فشلُ نجاحات آبائنا ونحن عنوانٌ لدمار البناء القديم، نحن أكذوبة العصر الحديث! نعم وبكل آسف، نحن مَنْ قتلنا أفعال أجيالنا السابقة الناجحة، ومحَوْنا تعاليمهم.
ماذا تعلّمنا من ماضيهم؟؟؟ لقد تغنّينا بأمجادهم فقط، وقرأنا مؤلّفاتهم وكتبهم، وتحدّثنا عن إنجازاتهم، وكأنّ الأطلال وُجدت كي تكون لنا.
بربِّكُم كيف يُمكن أن نبني أجيالًا للمستقبل، ونحن مَنْ دمّر ما بنته الأجيال السابقة؟
أمّا اليوم، وقد وصلنا إلى الحقيقة التي كشفت حجم الكذب والفساد الذي كنا نعيشه، أيكفي ذرف الدموع؟؟؟هل البكاء مفتاح الندم؟؟؟ هل نبكي جميعًا وطنًا حرقناه بحقدنا وكذبنا وجهلنا؟؟؟
إنّ أبسط الأمور تكمن في الهروب إلى الأمام والتمسّك بالرجاء الذي يقودنا إلى طريق المحبّة والغفران، طريق السلام الذاتي الصادق، طريق الله هو فقط طريقنا، و”الشاطر يللي بخلّص نفسه”!