البابا فرنسيس
حين نتأمل في مشهد عيد الميلاد، نحن مدعوون إلى الانطلاق والسير بالروح، منجذبين من تواضع ذلك الذي أصبح إنسانًا للقاء كلّ انسان، فنكتشف أنه أحبّنا كثيرًا حتى أراد أن يتّحد بنا، لنتمكّن نحن أيضًا من الاتّحاد به.
لماذا تثير فينا المغارة الدهشة وتحرّك مشاعرنا؟ بدايةً لأنها تُظهر لنا حنان الله: خالق الكون نزل إلينا في ضعتنا. هبة الحياة، التي هي سرّ دائم أمامنا، تزيد اندهاشنا عندما نرى أن المولود من مريم هو المصدر والعون لكل حياة. في يسوع، أعطانا الآب أخًا لنا أتى ليبحث عنا عندما نضيع ولا نعرف أين نتوجّه. إنه صديق مخلص وقريب منا دائمًا. أعطانا الله ابنه ليغفر لنا ويقيمنا من الخطيئة.
تقودنا مغارة الميلاد إلى مكان الميلاد، حيث نجد تمثالين للعذراء مريم ويوسف. مريم هي الأمّ التي تتأمل في طفلها وتقدّمه إلى أولئك الذين يأتون لزيارته. عندما بشّرها الملاك الذي طلب منها أن تصبح والدة الله، أجابته مريم بطاعة كاملة وشاملة. إن كلماتها “أنا أمة الربّ، فليكن لي بحسب قولك” (لو 1: 38) هي شهادة لنا جميعًا، تعلّمنا كيف نتخلّى عن ذاتنا بإيمان لتتمّة مشيئة الله.
ويقف القديس يوسف، إلى جانب مريم، من أجل حماية الطفل ووالدته. يلعب القديس يوسف دورًا مهمًّا في حياة يسوع ومريم. إنه الحارس الذي لا يتعب أبدًا من حماية عائلته. عندما حذّره الله من تهديد هيرودس، انطلق من دون تردّد وهاجر إلى مصر (متى 2: 13- 15). وبمجرد انتهاء الخطر، أعاد يوسف من جديد العائلة إلى الناصرة، حيث سيكون المربّي الأوّل ليسوع الصبي واليافع. حمل يوسف في قلبه السرّ الكبير الذي غمر يسوع وخطيبته مريم، وكرجل صادق كان يثق دائمًا بإرادة الله ويضعها موضع التنفيذ.
يبدأ قلب المغارة بالخفقان عندما نضع، في عيد الميلاد المجيد، تمثال الطفل يسوع. تحت مظاهر الضعف والهشاشة، تختفي قوّته، فهو خالق كل شيء ومبدِّل كل شيء. يبدو الأمر مستحيلًا، لكنه كذلك: في يسوع كان الله طفلًا، وفي هذه الحالة أراد أن يكشف عن عظمة حبّه، الذي يظهر في ابتسامته وفي يديه التي يمدّهما إلى الجميع.
كل ولادة طفل تثير الفرح والاندهاش، لأنها تضعنا أمام سرّ الحياة الكبير. كذلك، نفهم مشاعر مريم ويوسف وهما ينظران إلى الطفل يسوع، وقد أدركا حضور الله في حياتهما.
“هلمّوا إلى بيت لحم، فنرى ما حدث، ذاك الذي أخبرنا به الربّ” (لو 2: 15): هذا ما قاله الرعاة بعد بشارة الملائكة.
الملائكة والنجمة علامة على أننا مدعوون نحن أيضًا إلى الانطلاق من أجل الوصول إلى المغارة والسجود للربّ يسوع.
ويصبح الرعاة أوّل شهود لِمَا هو أساسي، أي للخلاص الذي أعطي لهم. إنهم الأكثر تواضعًا والأكثر فقرًا والذين عرفوا كيف يستقبلون حدث التجسّد. إلى الله الذي أتى للقائنا في الطفل يسوع، يستجيب الرعاة بالانطلاق نحوه، من أجل لقاء مفعم بالحبّ والامتنان. إن هذا اللقاء بالتحديد بين الله وأبنائه، بواسطة يسوع، هو الذي يعطي الحياة لديانتنا، ويصنع جمالها الفريد، الذي يتألق بطريقة خاصّة في مغارة الميلاد.
إن مغارة الميلاد هي جزء من مسيرة بهيجة وعسيرة في الوقت عينه، مسيرة تسليم الإيمان. ابتداءً من الطفولة ثمّ في كل مرحلة من مراحل حياتنا، تعلّمنا المغارة أن نتأمل في يسوع، وأن نشعر بحبّ الله لنا، وأن نشعر ونؤمن بأن الله معنا، وأننا معه، جميعًا نحن والأبناء والإخوة، بفضل هذا الطفل ومريم العذراء. وفي هذا تقوم سعادتنا. لنفتح قلوبنا إلى هذه النعمة البسيطة، ولنحوِّل ذهولنا إلى صلاة متواضعة ولنعبّر عن شكرنا لله الذي أراد أن يُشارِكنا في كل شيء، حتى لا يتركنا وحدنا.
“لأن الحياة ظهرت” (1 يو 1: 2): هكذا يلخّص الرسول يوحنا سرّ التجسّد. إن مغارة الميلاد تجعلنا نرى ونلمس هذا الحدث الفريد والاستثنائي الذي غيّر مجرى التاريخ.
ترجمة: فاتيكان نيوز