غيتا مارون
في خضمّ عالمٍ يشهد صراعًا دائمًا بين الأصالة والظلال، يتألق نجمٌ ساطعٌ ينير سماء الفنّ اللبناني. من بلدة عينطورة المتنيّة، أطلّ علينا بصوته العذب الذي يحمل في طيّاته قصّة نجاح استثنائيّة.
منذ انطلاقته الأولى في ستوديو الفنّ عام 1992، أثبت أنّ الإبداع الحقيقي لا يعرف حدودًا، مضفيًا لمسةً ساحرة على الأغنية التراثيّة اللبنانيّة، بعد نيله ميداليّة ذهبيّة عن فئتها المسمّاة البلديّة وغنائه للفنّانين الكبار الراحلين زكي ناصيف والرحابنة.
حقّق أوّل إنجازاته حين أطلق ألبومه الأوّل «لمّا شفتها» عام 1994، وحمل في جعبته 3 ألبومات إضافيّة، وهي «برجعلك»، «ولعت»، «حبيبي أنا».
عام 2005، اعتمد سياسة الأغنية المنفردة، واحتضن رصيده حوالى 65 أغنية و20 فيديو كليب.
لم تخلُ مسيرته من التحدّيات، واستطاع أن يتجاوز الصعاب بفضل إيمانه الصلب وعزيمته الفولاذيّة. على الرغم من الظلم الذي واجهه في بداياته، بقي صوته قوّة لا يُستهان بها ويعبّر عن إصرارٍ لا ينضب ورغبة متجدّدة في النجاح.
اليوم، تُعتبَر أعماله رمزًا للإبداع وانعكاسًا لمشوار جسّد فيه قدرته على تحويل الألم إلى فنّ، والظلم إلى نصر.
إنّه الفنّان هشام الحاج الذي يشارك «قلم غار» مسيرته الروحيّة والفنّية المكلّلة بالبركات والانتصارات.
تجلّيات حضور الربّ
منذ نعومة أظفاره، التزم الحاج في فرسان العذراء والطلائع، ورنّم في القداديس. اليوم، يشارك في الاحتفالات الليتورجيّة، ولا سيّما في الأعياد الكبيرة، أينما يكون في العالم، معتبرًا أنّ ترنيمه هو أقلّ ما يقدّمه ليشكر الربّ على نعمه.
يخبر الحاج بثقة عن تجلّيات حضور الله في حياته، قائلًا: «نعمة الربّ في حياتي تتجلّى في الموهبة التي منحني إيّاها. هذه الموهبة تختصر كل ما أضيفه عن وجوده في حياتي، فهو حاضر في يوميّاتي ومجريات الأحداث في مسيرتي ومن خلال أناس يضعهم الربّ في دربي أيضًا».
ويضيف: «الله موجود معنا في كل خطواتنا وأيّامنا. أنا من الأشخاص الذين يجسّدون كلام الربّ في حياتهم وعلاقاتهم مع الناس. لذلك، فإنّ النجاح الذي حقّقته واستمراريّة وجودي في الساحة الفنّية يعود إلى علاقتي بالناس وعطائي لهم بتفانٍ من دون تأفف».
ويوضح: «صحيح أنّ الفنّ مصدر رزقي، لكنني أعطي مجّانًا، كما طلب الربّ منّا إذ قال في الكتاب المقدّس: “مجّانًا أخذتم، مجّانًا أعطوا” (مت 10: 8). المعروف أنّ الفنّانين يغنّون 90 دقيقة بحسب الاتفاق. أنا أبدأ بالعطاء المجّاني بعد هذه المدّة. وكم مرّة غنّيت 90 دقيقة أخرى، فضلًا عمّا نقوم به من أجل مساعدة مؤسسات خيريّة».
حضور الله وسط حيتان العالم
عن دور الله في الصعوبات والعثرات، يقول الحاج: «الربّ حاضر في حياتنا دومًا. اختبرت مصاعبَ كثيرة. لو لم يكن الله موجودًا، لم أكن اليوم مستمرًا. أناس كثر يحاربون الفنّانين. طريقنا لم تكن سهلة. الربّ مدّني بالقوّة كي أكمل مسيرتي لأنّني من نجوم ستوديو الفنّ ولم أوقّع عقدًا مع مكتبه، فحوربت حوالى 12 عامًا، ومُنعت من الإطلالة عبر المؤسسة اللبنانيّة للإرسال».
ويستطرد: «في المقابل، تمكّنت من إصدار أغانٍ جميلة وناجحة بقوّة الله ونعمته، مثل “قوليلن ع البيت بفوت”، “اسم الله اسم الله”، “لمّا شفتها شو تمنّيت”، “شفت الورد”، “حبيبي أنا”…».
أمّا عن أسباب عدم توقيع العقد، فيعزوها الحاج إلى مدّته الطويلة وشروطه المجحفة.
ويردف: «لم أستطع قبول هذه الشروط. أكملت مسيرتي، ولو لم يكن الله حاضرًا في حياتي، لم أتوفّق في أعمال كثيرة. أصدرتُ أغنياتي وفق إمكانيّاتي، وتعاونتُ مع شركات عدّة».
ويتابع: «بعد انتهاء ستوديو الفنّ، أُقيمت أوّل حفلة ضمّت جميع نجوم البرنامج، لكن الجهة المُنظِّمة لم توجّه الدعوة إليَّ وإلى بعض الفنّانين، علمًا بأنّني نلتُ ميداليّة ذهبيّة قبل مرور شهر على تلك السهرة».
ويصف الحاج هذا التصرّف تجاهه كصفعة قويّة، مشيرًا إلى أنّه قصد مكتب ستوديو الفنّ حينذاك وعاتب أصحاب الشأن لكنهم تهرّبوا منه بدهاء واعتبروا أنّ عدم دعوة فنّانين إلى السهرة «سقط سهوًا!».
ويستنتج: «آلمتنا أحداثٌ كثيرة لكننا ثابرنا، وأجدّد التأكيد أنّ حضور الله في حياتنا ساعدنا على الاستمرار ومحاربة حيتان العالم. صحيح أنّنا نتعب لكننا حين نعاين نجاحنا وثمار أعمالنا، نفتخر بإنجازاتنا ونلمس وجود الربّ معنا، ونرفع له الشكر على عنايته بنا ولأنّه مدّنا بالقوّة للمثابرة في طريقنا».
نعمة كبيرة من الله
بقلبٍ متهلّل وممتنّ، يتابع الحاج سرد اختباره الروحي، قائلًا: «بعد اعتلاء المسرح والانتهاء من الغناء في مهرجان أو رعيّة، أدخل الكنيسة وأصلّي، طارحًا السؤال الآتي: ما مصدر الصوت الجميل؟ كيف أغنّي ساعتين و3 و4 ساعات من دون تعب؟».
ويردف: «إنّها فعلًا نعمة عظيمة. غنّيت أمام كبار الزعماء والشيوخ والأمراء، فصُعِقوا بصوتي. هنا تكمن نعمة الربّ في هذه الموهبة الحقيقيّة الكبيرة التي لا يمكن لأحد أن يشتريها».
بالنسبة إلى الترانيم، يخبرنا الحاج أنّه سجّل منذ زمن بعيد ترنيمة للقديس نعمة الله الحرديني، تزامنًا مع تطويبه، بعنوان «الحرديني تجلّى»، وقد بُثَّت عبر أثير الإذاعات الدينيّة.
ويضيف: «منذ 3 سنوات، صوّرت فيديو كليب لترنيمة “اليوم عُلِّقَ على خشبة” وأنشدتها. بقيت على مدار 15 عامًا رافضًا فكرة تصوير الترنيمة لأنّ يسوع يقول في الإنجيل: “عندما تصلّون، لا تكونوا مثل المرائين الذين يحبّون أن يصلّوا واقفين في المجامع وفي زوايا الشوارع ليراهم الناس. الحقّ أقول لكم: إنّهم قد نالوا مكافأتهم. أمّا أنتَ، فعندما تصلّي، ادخل غرفتك، وأغلق الباب عليك، وصَلِّ إلى أبيك في الخفاء، هو يكافئك (مت 6: 5-6)”. ربّما فكرت بطريقة خاطئة. من ثم، قلتُ لنفسي: لمَ لا أسبّح الله علنًا ليكون صوتي رسالة للعالم، فسجّلت حينها “اليوم عُلِّقَ على خشبة” لأنّ آلام المسيح تعني لي كثيرًا».
ويستطرد: «في جعبتي ترنيمة للقديس شربل لكنني أبحث عن كلام أكثر عمقًا. أسأل الله التوفيق في مسيرتي، وأن يرسل إليَّ العمل الجميل الذي أمجّد الله من خلاله».
السير على درب النور
ردًّا على سؤال متعلّق بمدى التفكير في ردّة فعل المشاهدين والمستمعين من أديان أخرى لدى إنشاده الترانيم، بخاصة أنّ كثيرين يجهلون ديانته لأنّ اسمه لا يدلّ عليها، يقول الحاج: «يتفاجأ المسيحيّون بأنّني مسيحي لأنّ اسمي هشام وشهرتي الحاج، فيعتقدون أنّني مسلم. اسمي الثلاثي هشام شربل الحاج. على أيّ حال، هذا الأمر لا يلغي أنّنا نحترم كل الأديان ونقدّر الجميع».
ويتابع: «نحن نمشي على خطى تعاليم المعلّم يسوع المسيح الذي يقول: “ليُضئ نوركم هكذا للناس ليروا أعمالكم الصالحة، فيمجّدوا أباكم الذي في السماوات” (مت 5: 16)».
ويشرح: «إنّ المسلمين المعتدلين يحترمون تعلّقنا بديننا. نحن نمشي على درب النور. كثيرون من المسلمين يعرفون مدى أهمّية هذه الطريق؛ كثر منهم يقصدون المزارات الدينيّة ويصلّون، وكثر نالوا نعمة شفاء بشفاعة مار شربل وأدركوا أنّ الربّ مبارك الدين المسيحي. ولنا أصدقاء مسلمون معتدلون ومثقفون يحترمون كل الأديان، وهم يحترموننا ويقدّروننا أيضًا».
ويختم الحاج مشاركة مسيرته الروحيّة والفنّية عبر «قلم غار» برفع الشكر إلى الله على نعمة الصحّة إذ إنّ التعرّض لأيّ نكسة صحّية قد يؤثر سلبًّا على حياة الفنّان وأسرته لأنّ عمله يرتكز على شخصه. ويحمده أيضًا على نعمة الموهبة الكبيرة والعائلة.