المونسنيور فادي بو شبل
أيّها اللبنانيون، إن ما يجمعنا، لأكثر بكثير ممّا يفرقنا.
منذ الرابع من آب 2020، كثرت الصور والمشاهد والفيديوهات التي تصوّر هول الكارثة التي ضربت العاصمة بيروت، ومعها أوجعت قلب كل مواطن لبنانيّ وعقل كل إنسان في أيّ بقعة من بقاع الأرض من خلال ما تعرّض له كلُّ جريح ومصاب ومفقود وشهيد، وما ترك معه من عذاب وألم في قلوب الأهل والأصدقاء…
منذ الرابع من آب 2020، لم يعد هناك فرق بين مسلم ومسيحيّ على أرض الأرز، لأن دم الشهداء والجرحى وحّد اللبنانيين الذين هبّوا للمساعدة من كلّ حدب وصوب…
وكانت دموع الأمهات والآباء والأحبّاء دافعًا جديدًا ليصرخ الشعب بصوت واحد: لا! لن نقبل بأن يكون قبل الرابع من آب كما بعده…
البيوت المهدّمة التي دُمّرت أخذت معها ذكريات من عاش فيها أجمل أيّام حياته، ومصالح الناس وأشغالهم فقدت القدرة على الإنتاجية بعدما تطايرت حجارتها وأوراقها كالعصافير…
كلّ هذا دعا العالم بأسره ليقف إلى جانب لبنان، خاصة بعدما اكتشف الجميع بأمّ العين ذاك الفساد المستشري في المنظومة اللبنانية الحاكمة…
اليوم، بعدما مدّ الجميع يد المساعدة لكل محتاج ومعوز، بتنا نفكر في أن ما يجمعنا هو أكثر بكثير مما يفرّقنا.
ولكن اسمحوا لي أن أشارككم بعضًا من أفكاري، فأنا الشاهد على حرب لبنان، والذاكر لكلّ الضربات التي حلّت بنا من العام 1975 حتى اليوم…
خوف عميق يجتاح قلبي… أخاف أن تكون صرخات الغضب صرخات عابرة، ودموع الأمهات كالبخار زائلة، ودم الشهداء كالبرق سريعًا (لأن ذاكرتنا سريعة النسيان).
أخاف من ردود الفعل التي يعبّر عنها بالكلام والمواقف، والتي لا تستند على العمل والقرار الناضج.
أخاف أن يكون غفراننا غير مسؤول، وتخطّينا للصدمة غير مبرّر.
أخاف أن يبقى حديثنا مقتصرًا على “أنت وأنا” بدل أن يكون علينا “نحن” أبناء لبنان.
أخاف أن يبقى إصبع الاتهام موجّهًا على الآخر وكأننا نحن بالنسبة إليه لسنا بآخرين!
أخاف أن تعود الحياة على حساب من بذل حياته وكأن شيئًا لم يكن…
أخاف أن ننسى هذه الفاجعة وغيرها، أيام الانتخابات، فنعود لنضع أسماء من وضعوا الحزن والجوع والقلق في قلوبنا وعيالنا وبيوتنا.
أخاف أن نصمّ آذاننا عن سماع صراخ الذين لا يزالون في عداد المفقودين ونحن نعيّر بعضنا، ونشمت بالمختلف عنّا فكرًا وإيمانًا وعقيدة.
أخاف، نعم أخاف أن ينسى الإنسان في وطني أجمل ما لديه… إنسانيّته وكرامته.
أخاف أن نحيا وكأننا موتى لا حياة فينا…
أخاف أن ننسى أن وطننا رسالة للشرق والغرب…
أخاف أن لا نقدّر ماذا يعني أن يكون لنا لبنان وطنًا أرضيًّا وروحيًّا على السواء.
أخاف أن لا أخاف على وطني الذي تعمّد بالدم، وتثبّت بالألم، وتناول بالجوع والعطش إلى البرّ، ومُسِح بحزن الناس ومخاوفهم على المستقبل، وتكلّل بإكليل الشهادة، ونسي أن الغفران هو طريق السلام، وتجاهل أن بناء الجسور أفضل من إعلاء الجدران…
أخاف أن لا أحبّك يا وطني لبنان حبًّا حقيقيًّا…