إلسي كفوري خميس
هو فنّان من الطراز الرفيع. يُعرف بخامة صوته الفريدة، الجبليّة، المفعمة بالأصالة والتي طبعته بهويّة خاصة. أنعم الله عليه بتلك الموهبة، فلم يبخل بردّ الجميل من خلال ترانيم عدّة اشتهر بإنشادها، تلامس القلب والروح، نذكر منها: «أناديك»، «يسوع أنتَ رجانا»، «اسمعوا صوت الإله»، وغيرها الكثير من تراتيل ميلاديّة وأخرى خاصة بالآلام والفصح.
حصد ميداليّة ذهبيّة وشهادة تقدير من برنامج ستوديو الفنّ، فكانتا بمثابة تذكرة عبور إلى عالم الغناء والشهرة. تميّزت أعماله الفنّية وأغانيه بالرصانة والاحترافيّة، فطبع بصمته على الساحتين اللبنانيّة والعربيّة.
ابن عروس البقاع، غنّى لها «زحلة يا دار السلام»، فحظيت الأغنية بشعبيّة كبيرة، ناهيك عن أغنيات كثيرة منفردة وألبومات نالت شهرةً واسعة. ومن خلال قوّة أدائه، صدح صوتُه بالأغنيات الوطنيّة في مناسبات كثيرة.
إنّه الفنّان نقولا الأسطا الذي يشارك «قلم غار» جوانبَ من حياته الروحيّة والفنّية.
الصلابة والثبات في الفنّ
الربّ في حياة الأسطا ليس محصورًا في وقت معيّن، إنّما هو يتجلّى بكل لحظة من حياته، كما يؤكد. ويقول: «هو موجود دائمًا ويرافقني في الكثير من المحطّات والصعوبات والتجارب التي أتخطاها بفضله. وأسلّمه كل شيء وكل ما قد أمرّ به في لحظاتي وأوقاتي وأيّامي».
يعتبر أنّ الفنّ تجربة كبيرة بحدّ ذاته، وخاصة الجوّ الفنّي المحيط به الذي «لا يخلو في كل لحظة من الإغراءات التي تشدّني وتجذبني لأقع فيها». يلمس الأسطا حضور الربّ في حياته من هذه الناحية، «فهو دومًا يرافقني ويحميني وقد أعطاني القناعة والقدرة لكي أقاوم الإغراءات ولا أقع في التجربة أو الخطأ، ولكي أستمرّ بتمجيد الربّ في صوتي وأبقى محافظًا على عائلتي».
ويضيف: «الصلابة التي أتمتّع بها تعود إلى تربية أهلي، وبفضلها أستطيع الحفاظ على مسيرتي، على الرغم من كل المطبّات والإحباط والتجارب اليوميّة».
ويستطرد قائلًا: «هناك ضياع للقيم في مجتمعاتنا الحاليّة وصاحب الموهبة لا يحظى بالتقدير، فيما الثوابت الإنسانيّة أضحت في يومنا الحالي عيبًا وتهمة للذين يحافظون عليها، لكنني لن أحيد عن مبادئي وأنا ألمس حضور الربّ من خلال المحافظة على صلابتي وثباتي في مسيرتي الفنّية».
الترنيم مسيرة حياة
الترنيم بالنسبة إلى الأسطا مسيرة حياة. ففي جعبته أكثر من أربعين ترنيمة. وقريبًا سيسجّل ترتيلة جديدة، ويحضّر حاليًّا شريطًا عن القيامة.
يقول إنّه من أكثر الأشخاص الذين ينقلون إيمانهم من خلال فنّهم بفعل ما قدّمه من ترانيم بصوته. هذه الوزنة، كما يصفها، يحاول أن يجسّدها من خلال التراتيل. «أعتزّ بما أسمعه من كثيرين بأنّ ترنيمي يجعلهم يصلّون عشر مرات أكثر، وأرى ذلك بمثابة رسالة لي من واجبي أن أتمّمها».
يعجز عن وصف ما يشعر به في أثناء الترنيم. ويحمد الربّ على هذه النعمة التي خصّه بها. «أعتبر الأمر ولاءً لتلك النعمة، وأؤمن بأنّني أؤدّي رسالتي ومهمّتي على أكمل وجه عن طريق هذا الشعاع الذي أوصله بصوتي إلى مجتمعي».
عصر الترند وضياع القيم
يرى الأسطا أنّ طريق الفنّ لا تتعارض مع طريق الربّ في حال كان الشخص قادرًا على لجم ذاته والقفز فوق المطبّات وعدم تقديم تنازلات والفصل بين الحياة اليوميّة وهذه المعركة التي يعيشها. ويستطرد قائلًا: «هناك صراع بين الفنّ النظيف والجوّ المحيط بالشهرة وبأضوائها بحيث أصبح الفجور هو الترند في عصرنا الحالي. ومن يحقق الشهرة والانتشار الواسع على حساب قيم معيّنة وينسى رسالة الفنّ، فإنّ طريقه ستتعارض حتمًا مع طريق الربّ».
يؤكد الأسطا أنّنا نعيش في عصر ضياع القيم وأنّه يجب على كل شخص أن يخلّص نفسه بالطريقة المناسبة. لا يعتبر الأعمال الفنّية الحاليّة رديئة كلّها، «فككل جيل أو حقبة هناك السليم والقبيح والعاطل، ويبقى الأصيل صاحب الأثر الأكبر، ولكن ما يختلف اليوم أنّ الفجور أصبح أكثر وضوحًا وجرأةً وانتشارًا على وسائل التواصل الاجتماعي التي لا تحكمها أيّ ضوابط أو قيم. والرائج وصاحب الرقم المرتفع هو من يحيي الحفلات اليوم بصرف النظر عن موهبته وصوته».
لا يعتبر الأسطا أنّه غائب عن الساحة الفنّية أو مغيّب، فهو موجود من خلال أرشيفه الفنّي وما يقدّمه من أعمال جديدة بين الحين والآخر، ويرفض الظهور إعلاميًّا من خلال الفضائح، ويؤكد أنّه سيُصدر قريبًا أغنيات جديدة.
الضمير في مخاض الفنّ
يختم الأسطا مشاركة اختباره عبر «قلم غار» بشكر الربّ على كل شيء في حياته. ويحمده على عائلته، وعلى الناس الذين وضعهم الله في طريقه، وعلى موهبته، وعلى قدرة التمييز بين الخطأ والصواب، ولا سيّما في مخاض الفنّ. «الله أعطاني الضمير الواعي الذي أصبح في زمننا نقمة. إنّما أنا أفتخر بهذا الأمر وبقدرتي على ضبط نفسي كي لا أنجرّ وراء الإغراءات، ولو على حساب الانتشار والترند، فالحياة مشوار؛ إمّا أن نترك بصمة فريدة تميّزنا عن الآخرين، وإمّا أن نصبح كالباقين».