نيكول طعمة
ببصيرةٍ خارقة وروحانيّة عميقة، قارب شهادته بإيمان ورجاء، ورأى بقلبه المبصر نِعَم الصليب، وتجاوز بقوّة الصلاة مشكلته وواجهها بشجاعة لامتناهية…
بشخصيّة واثقة، يشارك روي شلالا، 35 عامًا، ابن شحتول الكسروانيّة «قلم غار» شهادة أمل يفوح منها عبق الإيمان والغار بعد مشوار شاق مع الألم والمعاناة.
بصرٌ مهدّد بالفقدان
يخبر شلالا أنّه عندما كان في التاسعة من عمره «اكتشفتُ أنّني أعاني مشكلة في النظر، وتبيّن لاحقًا في سنّ الخامسة عشرة أنّني مُصاب بـ”تقوّص في القرنيّة” ما تسبّب بتفاقم المعضلة، وتراجَع نظري تدريجيًّا».
في تلك المرحلة، كان يتغيّب كثيرًا عن المدرسة جرّاء العلاجات المتكرّرة التي يتلقّاها في المستشفى. يقول: «تأثرّتُ نفسيًّا بمشكلتي، ولم أكن حينها ألجأ إلى الصلاة أو طلب الشفاء، بل أكتفي باللهو مع رفاقي».
في مرحلة انتقاله من المدرسة إلى الجامعة التي حاز فيها شهادة الدراسات العليا في العلوم الماليّة والمصرفيّة، كان شلالا بعيدًا كلّيًّا عن الإيمان والحياة الروحيّة. بصوتٍ خافت يشرح: «في أيّام الآحاد أو في المناسبات الدينيّة، كنت أتردّد برفقة عائلتي إلى الكنيسة للمشاركة في القداس، لكنّني لم أكن أشعر بالخشوع ولم يعنِ لي أن أكون مؤمنًا، بل أعتبر أنّ زيارة الكنيسة مجرّد واجب أو حجّة للقاء الأصدقاء خارج حرم بيت الله».
في الثامنة عشرة ربيعًا، فَقَدَ روي بصره كلّيًّا بعدما خضع لعمليّة جراحيّة في عينه اليمنى، واستمر على هذه الحال حتى العشرين. يقول: «بعد علاجات متواصلة، استعدتُ البصر في عيني اليمنى بنسبة 70 في المئة فيما خسرته نهائيًّا في العين اليسرى منذ 11 عامًا بعدما تعرّضت لجلطة شديدة».
الارتداد الحقيقي… بعد مديوغوريه
في خضمّ العذابات والمعاناة التي عاشها شلالا في فترة فقدان بصره، تأثر كثيرًا بمساندة عائلته ودعمها له. ويسرد لموقعنا: «كم كانت مؤلمة وعصيبة تلك المرحلة التي شعرت فيها بأنّني مكبّل وعاجز عن تسيير أموري الخاصة بمفردي. عشت لفترة من الزمن حالة عتب ونكران وجود الله في حياتي إلى حين تطوّعتُ منذ نحو سبع سنوات مع جماعة “شبيبة مريم” لتنظيم الرحلات إلى مديوغوريه.
بعد إحدى زيارات هذه الواحة المفعمة بالسلام، اختبرت حياة جديدة ومغايرة هناك، حيث تجلّى حضور الله في حياتي ولمست عمله الذي خلّصني من مطبّات كثيرة. كان لتلك الرحلة التي رافقني بها يسوع في كل مراحلها ومشقاتها الفضل الأكبر في ارتدادي إلى طريق الربّ».
الشدّة القاسية التي ألمّت بشلالا بدّلت مسار حياة الشاب «الطائش» وغير المتعبّد لله إلى إنسان آخر مُشبع بالإيمان وحبّ يسوع اللامحدود. عن هذا الجانب، يوضح روي: «طوال فترة مشكلتي، كنت بعيدًا من الصلاة، ولم أطلب الشفاء. لكن بعدما تقرّبت من الربّ وواظبت على الصلاة، اكتشفت أنّ ما يجب أن أطلبه يكمن في القداسة فقط لأننّا حين نتقدّس بحضور الله، يحقق لنا الربّ تمامًا الأنسب لنا».
وعن الرسالة التي يودّ إيصالها من خلال شهادة الحياة، يجيب: «لم أكن أعتبر يومًا أنّه يحقّ لي أن أعطي شهادة حياة، لكن كل إنسان أثّر يسوع في حياته ولمس منه نِعَمًا يجب أن يشهد لاسمه من أجل خلاص النفوس».
حضور الربّ في الأسرة
عن فكرة ارتباط شلالا بفتاة لتأسيس عائلة وهو يعاني كفّ بصر، لا يخفي أنّه تردّد في البداية، لكن الفتاة التي أراد الارتباط بها ملتزمة في الكنيسة ومؤمنة جدًّا.
لم يقف ضعف بصر شلالا حائلًا أمام تأهّله من شريكة حياته هنادي جلخ. فالزوجة المؤمنة التي دخلت قلب روي، هي «بمثابة العمود الأساسي في حياتي، منها أستمد القوّة والدعم، وهذا بحدّ ذاته فعل قداسة. من هنا، أشكر يسوع الذي وضعها في دربي». رُزِقَ الزوجان بطفلتهما البالغة من العمر اليوم سنة وخمسة أشهر، وهدفهما، بحسب ما يؤكد شلالا، تأسيس عائلة مسيحيّة صالحة.
وعن نظرة المجتمع وأحكامه المسبقة حيال شلالا ومَن يحاكونه في الألم، يجيب: «أعتبر أنّ المجتمع ليس عادلًا مع أحد، مهما علا شأنه. لذا، أعتقد أنّني تجاوزت ما حصل معي. وبعدما اقتربت من يسوع، فهمت أنّ القداسة تتمثّل في نظرة الله إلى المرء وليس نظرة الناس إليه».
كفّ البصر… نعمة أو نقمة؟
إزاء ما عاناه شلالا في حياته، يشعر بأنّ كفّ البصر نعمة وليس نقمة. يقول: «لا أدري ما الذي يُخبّئه لي الله، فإذا أراد أن أصبح كفيفًا كلّيًّا، فلا مانع في ذلك طالما أنّ الربّ يقدّسني ويبارك جميع المحيطين بي».
ويختم شلالا اختباره العميق عبر «قلم غار»، قائًلا: «أشكر ربّي الحاضر دومًا معي والممسك بيدي. كما أحمده على كل شيء منحني إيّاه في هذه الحياة، وطلبي الوحيد منه يتمثّل في القداسة».