وجّه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي اليوم نداءً إلى الشعب اللبنانيّ، مرشّحين للنيابة وناخبين، مقدّمًا واجبيّ تعزية، وقال فيه:
أوّلًا، النداء
1.نتمنّى أن يُطِلَّ على لبنان أملٌ جديدٌ بعدَ الانتخاباتِ النيابيّةِ التي ستجري غدًا، فيَشعُر المواطنون والمواطنات أنَّ ما بَعد 15 أيّار مختلفٌ عما قبله. لكن هذا التمنّي يَبقى رهنَ: كثافةِ الاقتراعِ، وحُسنِ الاختيارِ، واحترامِ الديمقراطيّة والدستور بعد الانتخابات، وتأليفِ حكومةٍ جديدةٍ سريعًا لئلّا تَطولَ فترةُ تصريفِ الأعمال وتَنعكسَ سلبًا على الاستحقاقاتِ اللاحقة.
2.وحريٌّ بالشعبِ اللبنانيِّ أن يتوجّهَ غدًا إلى الانتخاباتِ عفويًّا ووطنيًّا من دونِ تدخّلاتٍ ومن دونِ ترغيبٍ ماليٍّ وترهيبٍ أمنيّ. فالكرامةُ هي صنوُ السيادةِ، واستقلاليّةُ القرارِ تَنبعُ من الحِسِّ بالمسؤوليّةِ الوطنيّةِ لا من مسايرة هذا أو ذاك، وهذه الدولة أو تلك. أيّها الشعبُ اللبنانيّ: انْفُض عنكَ غبارَ التبعيّة، واسْتعِد عنفوانَك، وحَرِّر قرارَك، وأعِدْ بناءَ دولتك على أساسِ القيمِ التي تأسّستَ عليها، وسار على هَدْيها الآباءُ والأجداد…
3.في سياقِ الانتخابات، نُطالب المؤسّساتِ الرقابيّةَ اللبنانيّةَ والمراقبين العربَ والأوروبيّين والأمميّين متابعةَ العمليّةِ الانتخابيّةِ بكلِّ تفاصيلِها والجهرَ الفوريَّ والمباشرَ بالأخطاءِ والتجاوزاتِ والثغراتِ والتدخّلات في حال حصولِـها، فلا تُميَّعُ وتَضيعُ في التقارير البيروقراطيّة.
4.نعرفُ صعوبةَ الوضعِ اللبنانيِّ وتعقيداتِه، ونعرفَ أنَّ التغييرَ لا يَتمُّ بعصا سحريّةٍ. لذلك، فلتَكُن هذه الانتخاباتُ بدايةَ الطريقِ المستقيم التي تُخرج لبنانَ من اللُجّةِ التي أوقَعه فيها المسؤولون والسياسيّون ولا يزالون حتى هذه الساعة. والغريبُ أنَّ كلّما فكّرت الحكومةُ بمشروعِ إصلاحاتٍ، تصوِّبُ على الشعبِ وتحاولُ تحميلَه تَبعاتِ إجراءاتِها وتدابيِرها من دون اعتبارِ الأوضاعِ الصعبةِ للناس.
كيف يستطيعُ أنْ يُعطيَ الفقيرُ مالًا، والـمُعْوزُ ضرائبَ، والجائعُ طعامًا. لا يجوزُ تحت ستارِ الإصلاحِ زيادةَ مآسي الشعب. المطلوبُ اليوم أن تُعطيَ الدولةُ للشعبِ أكثرَ مما الشعبُ للدولة. حقُّ الشعب على الدولةِ أن تتحمّلَ مسؤولياتِها، وتغيّرَ نهجَها وأداءَها، وتُطلِّقَ نزعةَ الانتقامِ، وتَتحرّرَ من الأحقادِ القاتلةِ. حان الوقتُ لتُنقذَ الدولةُ الشعبَ بعدما كان هو يُنقذها ويناضلُ ويُستشهدُ في سبيلِ وجودِها وتعدّديّتِها وهُويّتِها اللبنانيّةِ وعِزّتِها عبر التاريخ، وحتى الأمسِ القريب.
5.مهما كانت نتائجُ الانتخاباتِ وشكلُ الحكومةِ المقبلةِ ونوعيّةُ الإصلاحات، يظلُّ اعتمادُ نظامِ الحِيادِ الناشِط الحلَّ المحوريَّ الذي يَضمَن وجودَ لبنان ويَحفَظَ استقلالَه واستقرارَه ووِحدته التاريخيّة والوطنيّة.
ثانيًا، واجب التعازي
1.نتقدّمُ بأحَرِّ التعازي بوفاةِ رئيسِ دولةِ الإمارات العربيّةِ المتّحدةِ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان الذي كان صديقًا لدولةِ لبنان وللشعبِ اللبناني، وقد اتَّبعَ نهجَ والدِه الشيخ زايد الذي أسّس سنةَ 1971 دولةً اتّحاديًة صارت مثالَ النجاحِ ورمزَ الوِحدةِ بالاتّحاد، وعنوانَ النموِّ الاقتصاديِّ والسياحيّ. ونَطلُب من الله تعالى أن يُوفِّقَ خلفَه، فيُكُمل هذه المسيرةَ المميّزةَ في مجلسِ التعاونِ الخليجيِّ وفي العالمِ العربيّ.
2.آلَمنا استشهادُ الإعلاميّةِ الفِلسطينيّة “شيرين أبو عاقلة” وهي تمارس عملَها في الضِفّةِ الغربيّة من فلسطين. ولَكَم تابَعنا طَوالَ سنواتٍ نشاطَها الصِحافيَّ في نقلِ الأحداثِ وفي إبقاءِ شُعلَةِ الحقِّ الفلسطيني حيّةً في الضميرِ والوِجدان. إنَّ دورةَ العنفِ المستمرةَ في ما بين شعبِ فلسطين الحبيب ودولةِ إسرائيل لا تَنتهي إلا مع انتهاءِ الظلمِ والاعترافِ بحقوقِ الشعبِ الفِلسطينيِّ في حياةٍ حرّةٍ، كريمةٍ، وآمنةٍ. إننا إذ نُعزّي طائفةَ الرومِ الأرثوذكس التي تَنتمي إليها الشهيدةُ “شيرين” والسلطةَ الفِلسطينيّةَ والأهلَ، ندعو لها بالخلودِ في ملكوتِ السماء، ونُجدِّدُ التأكيدَ بأنَّ السلامَ يكون مقابلَ العدالة، لا مقابلَ الظلم. حان لشعبِ فِلسطين أن يعيشَ باستقرار.