غيتا مارون
أنعم الله عليها بصوتٍ مُصَلٍّ رائع يتغلغل في الأعماق من دون استئذان، حاملًا بشارة وبشرى، فترفع المؤمنين إلى قلب الله.
تَعانَق الترنيم والتربية في مسيرتها حوالى 42 عامًا، وما زالت تغرف من المحبّة الإلهيّة لتنير دروب الأطفال وتساعدهم على العطاء، وما برح صوتها يصدح بتراتيل نابضة بالحبّ.
إنها المرنّمة المتميّزة نبيهة يزبك التي تشارك «قلم غار» اختبارها المكلّل بالنعم والانتصارات.
حضور الله يشدّدني
تخبر نبيهة عن تجلّيات حضور الله في حياتها، فتقول: «منذ صغري، تجلّى الربّ في كل لحظة من حياتي، فشاء أن أولد في عائلة مؤمنة وأترعرع في كنفها. من ثمّ، لمست تدخّله في مواقف كثيرة في حياتي الخاصة والعمليّة. في صعوباتي، شعرت بوجوده إلى جانبي، وبأن مشيئته تتمّ من خلال المشقات. هو يشدّدني، فأتخطى العوائق».
لقاء المخلوقات تسبيحة شكر
تواصل نبيهة تسبيح الله في كل مرّة تلتقي مخلوقاته، وتردّد في كل صباح الصلاة التي علّمتها إيّاها والدتها: «الصبح إليك يا الله، والمجد إليك يا الله! يا فتّاح يا عليم يا رزّاق يا كريم!».
وتؤكد أن الجمال المحيط بنا يُشعِرنا بحضور الربّ، وتشدّد على أن حنان الأمّ والأب يدهش قلبها، مردفة: «فقدنا أمّنا قبل زواجنا. كان والدنا السند والقلب العطوف والحاضن عندما نضعف ونحزن».

عبور 4 اختبارات أليمة
تتابع نبيهة سرد اختبارها وكيفيّة عبورها جلجثة الآلام في حياتها بقلب مفعم بالرجاء، قائلة: «كان أوّل اختبار صعب عشته رحيل والدتي. تلاه مرض والدي الذي أُصيب بداء السكّري وفقد بصره تدريجيًّا.
أما الاختبار الثالث العسير، فهو إصابتي بالسكّري في بداية حملي بابنتي، ما عزّز احتمال تشويه الجنين. حينذاك، قلت للربّ: إذا كانت مشيئتك تكمن في أن أعيش هذا الاختبار، أرجوكَ أن تكون إلى جانبي وتساعدني لأتمّم إرادتك.
تلقّيت إجابة إلهي في يوم الولادة. بعد خضوعي للجراحة القيصريّة، أخبرني كل من زوجي وأختي أن طفلتي لا تعاني من أيّ تشوّه، بل هي في صحّة جيّدة، فكانت أكبر نعمة وأعظم تجلّيات حضور الربّ في حياتي».
وتضيف نبيهة: «تَمثَّل الاختبار الرابع الأليم في فقدان أختي جوزيه (32 عامًا) التي عانت حوالى 5 سنوات من مرض السرطان؛ في تلك المرحلة، لمسنا حضور الربّ معنا من خلالها: زرعت البسمة والسلام والتسليم لمشيئة الله. لقد علّمنا هذا الألم الكثير، وأضاء على حضور الله الدائم معنا. الربّ رحوم ويمدّنا بالقوّة كي نتخطى الصعاب ونحمل الصليب ونسير معه».

وزنة الصوت الجميل ومسيرة القداسة
تتحدّث نبيهة عن أهمّ الوزنات في حياتها: الصوت الجميل والترنيم، وتقول: «هذه الوزنة رفيقتي منذ صغري لكنني لم أكن أعي قيمتها. في البداية، كنت سعيدة بالترنيم وإبراز صوتي. مع مرور الوقت، أيقنت قيمة الوزنة التي لا أمتلكها، فهي لله وغايتها أن أشكره كل يوم وأسبّحه وأمجّد اسمه وأجعل كلمته تصل إلى الجميع».
وتردف قائلة: «من خلال الكلمة الجميلة والمتواضعة، أجعل الله يصل إلى المصلّين. أشعر بالسعادة عندما يقول لي الناس: حين ترنّمين، أنتِ تساعديننا كثيرًا لنصلّي. حينئذٍ، أقدّر أهمّية هذه المسؤوليّة ووجوب أن أجسّد ما أرتّله أي أن أكون مثالًا يحتذى به. أعرف أن الطريق طويلة للوصول إلى القداسة لكننا في مسيرة جهاد نحوها».
الالتزام في كنف جوقة
تشدّد نبيهة على روعة الالتزام في جوقة، واصفةً بحماس ما يختبره أعضاؤها بالقول: «يتعلّم المرء الكثير في الجوقة، ليس فقط على الصعيد الفنّي أو التقني، بل على الصعد الاجتماعيّة والأخلاقيّة والعائليّة. يكتسب الكثير من أناس يختلفون عنه في العقليّة وطريقة التصرّف».
وتتابع: «إنه فعلًا اختبار مهم. كنت من مؤسِّسي جوقة “أغابي”، وعشت في كنفها 30 عامًا في غاية الروعة. ضمّت الجوقة 100 شخص ينشدون بطريقة منسجمة مع بعضهم بمحبّة واحترام. التزمت أيضًا في الجوقة الشرقيّة والجوقة الدينيّة في جامعة الروح القدس-الكسليك وجوقة مار أنطونيوس الكبير في جديدة المتن. لكن الذروة تمثّلت في “أغابي”، الاختبار الذي عشناه فيها مختلف كلّيًا عن سواه. ما ميّزها الموسيقى الشبابيّة وجوّ الفرح المتجسّد من خلال الترانيم والذبيحة الإلهيّة (قداس الشبيبة)».
وتقول نبيهة بقلب مفعم بالحنين والوفاء والمحبّة: «إن الرسائل التي أوصلناها للناس عبر “أغابي” أثّرت فينا بشكل إيجابي في حين كان الشباب بعيدين عن الكنيسة. في التسعينيات، اعتُبِرَت الجوقة تحدّيًا حقيقيًّا لكننا عملنا مع الشبيبة ووصلنا إلى الجميع، الصغار والكبار. وكانت كنيسة السيّدة في الفنار تعجّ بالناس مساء السبت في خلال خدمتنا، بالتعاون مع خادم الرعيّة».
وتستنتج: «عاد كثيرون إلى الصلاة بفضل الجوقة وترانيمها، وتعلّموا أن الله يريد فرحًا وحبًّا ولا يريد تذمّرًا وحزنًا. للأسف، توقفت مسيرة الجوقة حاليًّا، لكنها يجب أن تبقى ذكرى جميلة نتعلّم منها وننقلها بشهاداتنا إلى الأجيال الجديدة».
وتشير نبيهة إلى ضرورة تشجيع الشباب وعدم وضع عوائق أمامهم عند اختيارهم طريقة الترنيم، قائلة: «المهم أن يكون التعبير نابعًا من القلب. من غير الضروري أن تكون كل الترانيم مقتبسة من كلمات مار أشعيا أو مار أفرام السرياني بل من الممكن اختيار الكلمة السهلة والتعبير عن الحبّ ليسوع بجمل بسيطة نابعة من الأعماق، مع احترامي للتراثَيْن الماروني والبيزنطي».

التدبير الإلهي يحقق حلمي
في سياق آخر، تعرب نبيهة عن فخرها بإنجاز ألبومَيْن هما «ع غفلة جيت» و«أستاهل»، بمشاركة أهمّ الكتّاب والملحّنين والموزّعين، وإنتاج موزار وناجي شاهين، وتعتبرهما حلمًا أبصر النور.
وتقول إن التدبير الإلهي أبعدها عن طريق الفنّ لأنها ليست صعبة فحسب، بل هي تبعد المرء عن حياته الشخصيّة وتدفعه إلى التكرّس الكلّي لطلبات المنتج (تغيير الشكل، التخلّي عن النشاطات الأخرى للمحافظة على الصوت)، فسهّل فسخ اتفاقها بالتراضي مع شركة الإنتاج بعدما وقّعته معها على مدى 15 عامًا.
وتختم نبيهة سرد اختبارها عبر «قلم غار»، رافعةً الشكر إلى الله على نعمة الحياة، وعلى كونها ابنته. وتحمده على أسرتها، ووقوفه إلى جانبها كي تربّيها على مثال عائلة الناصرة، راجيةً أن تكون أمينة لدعوة الربّ في حياتها.