طوني لطيف
في العام 1828، بدأت مسيرة تشييد دير مار مارون-عنايا.
وكان الموارنة قبل ذلك بكثير يعانون مختلف أنواع العذابات والاضطهادات، هم الذين بدأوا مع مؤسّسهم القديس مارون رسالة الانفتاح وحبّ الاختلاف، فباتوا سفراء دائمين لجميع مكوّنات المجتمع، أيًّا يكن المذهب أو الانتماء، فالكلمة واحدة والرسالة واحدة: “الحرّيّة ثمّ الحرّيّة فالحرّيّة”.
الحرّيّة والموارنة هما توأمان متلاصقان إلى ما لانهاية، إمّا يموتان سويًّا أو يحييان معًا إلى الأبد. هي حرّيّة التعبير والتغيير، حرّيّة الشخص والجماعة، حرّيّة الدين والمجتمع، وكأن الحرّيّة قد خاطت ثوبها من خيوط هذه المارونيّة…
“هلمّوا نصعد إلى أورشليم”، قال السيّد والمعلّم يسوع المسيح كلمته في بيت عنيا بعدما أقام صديقه لعازر من الموت. خاطب الجموع، وكانت بيت عنيا عنوانًا للمتعبين الذين يعانون من مختلف الأوجاع الجسديّة أو الروحيّة.
المثقلون بالأوجاع والأمراض وبخاصة الخطيئة، صعدوا مع المسيح ومشوا معه مسيرة غفران واستسلام للحبّ والتضحية، تاركين أوجاعهم في بيت عنيا، سالكين درب الخلاص مع سيّدهم وربّهم، ابن الله الحيّ، هو الذي سيسير وحده من أجلهم، درب الجلجلة والعذاب والموت من أجل تحريرهم من الخطيئة.
واليوم، يسير وطنٌ مجروح ومعذّب، هذا الوطن الذي ذُكِر في الكتاب المقدّس أكثر من 72 مرّة، الذي يعيش المصير عينه الذي عاشته “مدينة السلام ” أي أورشليم، وعانت منه تلك المدينة التي لم تعرف معنى السلام طوال عقود من الزمن، هي التي شهدت شتى أنواع الحروب والفتوحات من مختلف الشعوب والأديان.
يسير لبنان الجريح والمقهور، المُعذّب والمُفرّق، المُقسّم والثائر، لبنان الفكر والتاريخ، لبنان العجوز والشاب. هي مسيرة صلاة لمن يُدرك أهميّة صلاته، مسيرة حبّ لمن يعرف أن يُحِبّ، مسيرة مسامحة لمن يستطيع أن يسامح، مسيرة سلام لمن يؤمن بالسلام، مسيرة حرّيّة لمن يعشق الحرّيّة.
هلمّوا نصعد إلى عنايا، هناك حيث حضن دير مارون قديسينا شربل وغيره من الأبرار والكهنة القديسين… هلمّوا نصعد إلى عنايا بعدما أصبح كل بيت يعيش فيه لبناني بيت عنيا، بيت العناء والتعب، بيت القهر والظلم، بيت الحسد والكراهية… هلمّوا نصعد جميعًا إلى عنايا، تاركين وراءنا جميع أخطائنا وهي كثيرة، نسيرُ سويًّا مع يسوع المعلّم كما سار مع جميع المتعبين إلى أورشليم، نسير مع مخلّصنا وسيّدنا درب الجلجلة، التي مهما طالت، ستكون القيامة نهايتها.