غيتا مارون
لم تكن الشابة المفعمة بالحياة والفرح والإيمان تتوقّع أن تغيّر قديسة صغيرة مسار حياتها، فتوجّه دربها من المحاماة إلى الإعلام. كانت باقات النعم في انتظارها أينما حلّت، وإن شابها بعض الأشواك.
إنها الإعلاميّة الملتزمة ميراي عقيقي محفوظ التي تشارك «قلم غار» اختبارها النابض بالحبّ والثبات في الإيمان المستقيم.

القديسة تريزيا ملهمة ورفيقة
«الثالوث الأقدس ومريم العذراء والقديسون يشكّلون ركيزة حياتي. مار شربل شفيعي. أشعر بحضوره الدائم من أجل المؤمنين وقاصديه في دير مار مارون، ما يجعلني زائرة دائمة في عنايا»، تخبر ميراي.
«أما اختباري الروحي الاستثنائي، فقد أوقده الربّ في قلبي منذ زيارة ذخائر القديسة تريزيا الطفل يسوع لبنان في العام 2002. رافقتها في أبرز محطات زيارتها المباركة، فكانت تنثر ورودها على جميع المؤمنين، وكنت آنذاك ممّن يتنعّمون بشذاها. في اليوم الأخير من زيارة ذخائر القديسة الحبيبة بلاد الأرز، دخلتُ الكابيلا في دير القديسة تريزيا الصغيرة في سهيلة، وقلت للربّ: أرغب في ألا يضيع ما اختبرته في خلال زيارة الذخائر المباركة سدًى.
من ثمّ، توجّهتُ بالسؤال إلى القديسة التي عرفت درب الطفولة الروحيّة، قائلة: ماذا تريدين منّي أيتها القديسة تريزيا؟ إذا كنت ترغبين في أن أتابع المسيرة معكِ، شرّعي لي الأبواب.
هذا ما حدث فعلًا! انطلقت مسيرتي في الإعلام الديني، على الرغم من أنني تخصّصت في الحقوق. وبعدها، انتقلتُ إلى الإعلام السياسي. وحاليًّا، أعمل في الإعلام الثقافي.
إن القديسة تريزيا هي ملهمتي التي ثبّتتني في الإيمان، وتأثرتُ كثيرًا بحبّها اللامتناهي ليسوع».

صقل البشارة وحصاد بذور الإيمان
تعود ميراي إلى طفولتها، واصفةً تجلّي حضور الله في حياتها منذ نعومة أظفارها، فتقول: «لمستُ حضوره في منزلي الوالدي حيث نما إيماني بيسوع المسيح عبر المشاركة في الذبيحة الإلهيّة وتلاوة المسبحة الورديّة مع والدي ووالدتي التي زرعت في نفوسنا محبّة القداس والصلاة وأهمّية الاحتفال بتذكارات القديسين والاتكال على الله في كل أعمالنا، وإن كانت صغيرة لأن المحبّة تظهر فيها، كما تقول القديسة تريزيا الطفل يسوع. ومن ثمّ، تنمو هذه الأعمال وتولّد أفعالًا كبيرة مفعمة بالمحبّة.
في مرحلة النضوج، تعرّفتُ إلى الأب الراحل سيمون الزند، كاهن رعيّة مار مارون-حارة صخر آنذاك. كانت طريقة إرشاده تحاكي روح الشبيبة والتمرّد فيها، وقد عكس حضور الروح القدس في قلبه على أبناء رعيّته، وأنا منهم.
منذ ذلك الوقت، أصبحتُ ملتزمة كلّيًا في الكنيسة إلى أن انتقلتُ إلى الإعلام الديني حيث صُقلت البشارة وحصدتُ ما زرعه أهلي ورعيّتي وتابعت دربي مع الربّ».
رحيلهما أدمى قلبي
تتابع ميراي سرد اختبارها بغصّة كبيرة، وتذرف دموعًا مجبولة بألم الرحيل وتحمُّل فراق الأحبّاء: «كان رحيل أبي أكثر ما أدمى قلبي… تعايشت مع هذا الوجع عبر تمسّكي بإيماني بيسوع المسيح وبأن روح والدي في حضرة الآب.
وما زاد جراحاتي فقدان والدتي إذ كان رحيلها شبيهًا بصاعقة تضرب الكيان وتخطف جزءًا منه. لم أتخطَّ هذا الألم لكنني أشعر بحضور يسوع المسيح وأمّه والقديسين في هذه المرحلة، وأحسّ بأن روح والدتي مرتاحة بين ذراعي مريم العذراء.
نحن أبناء الرجاء، وعندما يكون يسوع المسيح ساكنًا بيننا وهو الحجر الأساس في حياتنا، نتخطّى كل شيء بقوّة الروح القدس».

عمل الربّ مدهش وحمده دائم
تصف ميراي عمل الربّ المدهش في حياتها بالقول: «منذ بداية مسيرتي معه، أدهشني الربّ؛ كنت تلميذة صغيرة في حقله، وما زلت تلميذته المحبوبة التي تتعلّم الكثير يومًا بعد يوم، وتشكره لأن حمده يديم تدفّق النعم في الحياة.
بعد رحيل أهلي، تعلّمتُ أن اللقاء بين الإخوة في الأرض والسماء يحصل في خلال الذبيحة الإلهيّة. حينئذٍ، أشعر بحضور الراحلين، ولا سيّما الأقرب إلينا، وأحسّ بالاتحاد بهم في القداس عبر يسوع المسيح».
وتختم ميراي اختبارها عبر «قلم غار»، رافعةً الشكر إلى الله على الحياة بكل أبعادها، والسلام النابع من يسوع المسيح.
كما تحمده على الصحّة والعائلة، بشكل خاص زوجها سيزار وولديها تيا وإميليو وإخوتها الأوفياء والمتّحدين الذين ساندوا أهلهم حتى الرمق الأخير، مؤكدةً أن نعم الربّ ترافق نبضات قلبها.
