أسرة تحرير «قلم غار»
لطالما كان الفنّ وسيلة تعبير عن الروح الإنسانيّة، وجسرًا يصل بين الأرض والسماء. على مرّ العصور، استطاع الفنّانون من خلال موهبتهم نقل تجاربهم الروحيّة ومشاعرهم عبر أعمالهم. من بين هؤلاء الفنّانين، برزت الأسطورة الفرنسيّة العالميّة إديت بياف التي لمعت في عالم الغناء.
وراء نجاحها الباهر، تختبئ قصّة شخصيّة مؤثرة تتعلّق بإيمان عميق وعلاقة روحيّة مميّزة مع القديسة تريزيا الطفل يسوع.
القديسة تريز الصغيرة التي عاشت في نهاية القرن التاسع عشر عُرِفَت بتواضعها ودربها الروحي «الطريق الصغير» القائم على الأفعال البسيطة المفعمة بالمحبّة الصادقة، ما أثّر بكثيرين، ولمّا يزل تأثيرها حتى اليوم.
الشفاء العجائبي… نقطة تحوّل
وُلِدَت إديت غاسيون في 19 كانون الأوّل 1915 في باريس وسط ظروف حياتيّة قاسية. في سنّ السادسة، أُصيبت بالتهاب حادّ في القرنيّة تسبّب بفقدانها البصر. بعد محاولات علاجيّة فاشلة، استسلمت أسرتها للأمر الواقع حتى سمعت جدّتها عن شفاءات عجائبيّة حدثت عند ضريح القديسة تريزيا الطفل يسوع في ليزيو. هناك، بدأت قصّة الإيمان حين أخذت الجدّة إديت إلى هذا المكان المقدّس، حيث طلبت شفاعة القديسة تريز الصغيرة. استُجيبت الصلوات، واستعادت الطفلة إديت بصرها بشكل غير مفسّر طبّيًا. منذ تلك اللحظة، أصبحت القديسة تريزيا رمزًا للأمل والنور في حياة إديت، وعلامة إلهيّة مؤثرة في مسار حياتها الفنّية والروحيّة.
إيمان يسطع في قلب النجوميّة
كبرت إديت التي اكتسبت لقب بياف (العصفور الصغير) لتصبح واحدة من أشهر الأصوات الفرنسيّة. ولم تنسَ تدخّل تريزيا في حياتها الذي أعاد إليها بصرها.
رافقتها القديسة تريزيا في مراحل حياتها؛ في كل حفلة غنائيّة، كانت تتلو صلاة صغيرة قبل أن تعتلي خشبة المسرح، قائلة: «تريزيا، الآن، أنا أغنّي لكِ!».
حافظت بياف على رمز القديسة تريزيا في حياتها اليوميّة، ووضعت قلادة تحمل صورتها، واحتفظت بتمثال صغير لها في غرفة ملابسها وعلى منضدة قرب سريرها. كما كانت تزور دير القديسة تريز الصغيرة في ليزيو في تذكارها للصلاة والتأمّل، معتبرة إيّاها أختها الروحيّة.
نهاية مليئة بالسلام
في أيّامها الأخيرة، واجهت بياف المرض والألم الجسدي، لكنها بقيت متمسّكة بإيمانها. قبل وفاتها بأيّام قليلة، قالت لممرّضتها: «من غير الممكن أن يصبح الإنسان غبارًا بعد الموت… هناك أمرٌ آخر يهرب منّا، ولا نعرفه… أنا أؤمن بالله. ومن الظلم جدًّا أن لا يجد المتألم على هذه الأرض السلام، فيصبح غبارًا. ستكون الجنّة… بعد يوم الحساب».
توفّيت إديت بياف في 10 تشرين الأوّل 1963، تاركةً وراءها أعمالًا تلامس القلوب وتذكّرنا بأنّ الفنّ، حين يقترن بالإيمان، يمكن أن يكون نورًا يهدي الأرواح وسط الظلام.
يعبق اختبار إديت بياف مع القديسة تريزيا الطفل يسوع بالشفاء والأمل والإيمان. في عالم يغلب عليه الألم والفقدان، شكّل الفنّ والإيمان قوّتين دفعتا بياف إلى مواجهة تحدّيات الحياة، وتحقيق نجاح لا يزال يلهم الملايين حول العالم. من خلال تجربتها مع القديسة تريزيا، قدّمت بياف مثالًا عن القوّة الروحيّة التي يمكن أن تمنحنا الأمل في أحلك الظروف، مؤكدة أنّ الإيمان يمكن أن يُحْدِثَ فرقًا حقيقيًّا في حياتنا.