شربل غانم
«أين احتجبتَ أيا حبيبي،
وتركتني رهن الأنين؟
هربتَ مهرب أيِّل
بعدما جرحتني،
فخرجتُ بعدك أهتفُ، لكنّكَ كنتَ مضيت» (ترانيم بين النفس والعريس، نشيد «ب»، النشيد الروحي للقديس يوحنا الصليب).
في تأمّلي هذه الكلمات، أتذكّر مسيرة حبّ سلكتها نحو الحبيب الإلهي، هو الذي يكشف لنا عن ذاته لنغتني بمعرفته. ومن ثمّ، يمضي تاركًا خلفه جراحًا نحيا معها برجاء، لكنها لا تلتحم إلا عند لقائنا به.
هو الذي أُرْسِلَ إلى أرضنا في ملء الزمن، مُتّخذًا هيئة بشريّتنا الضعيفة وعاش بيننا. شابهنا في كل شيء ما عدا الخطيئة. كان ينتقل من مدينة إلى أخرى يصنع العجائب. غذاؤه تتميم مشيئة الآب… يمضي كالأيّل من أمام الذين باتوا يرغبون في قتله. عندما أتت الساعة، سُلِّمَ بقبلة صديق ليُتمّم سرّ الفداء. كحملٍ سيق إلى الذبح (أش 53: 7). سلّم الأمّ للحبيب. وعلى الصليب، استراح بعدما غفر وأسلم الروح.
الحياة كالروضة التي تعيش فيها كل المخلوقات؛ أعشاب صالحة للأكل وأخرى سامّة قاتلة، حيوانات أليفة وأخرى مفترسة. أما نحن، فمثلها على الأرض؛ نفوسٌ تحيا بسلامٍ وأخرى تسير في الظلام. مسيرة سالكي طريق الربّ شبيهة بطريق ذلك الأيّل الإلهي، يحيا مع الناس بوداعة وحكمة.
هؤلاء المؤمنون يسلّمون ذواتهم لإلهامات الروح القدس، متسلّحين بالكلمة ومفتخرين بصليب المسيح. وعندما تأتي ساعة الحقّ من أجل الشهادة لإيمانهم، يسلّمون أنفسهم كالحمل الإلهي، فتتلاحم جراحهم مع جراحات الحبيب. هو الذي سلك قبلنا تلك الطريق الطويلة المكلّلة بالنصر وقهر الموت إلى الأبد.
وأختم بكلمات القديس يوحنا الصليب:
«هناك تكشِفُ لي
ما كان للنفس مرامًا،
وسرعان ما تعطيني
هنالك، أنت، يا حياتي،
ذلك الذي أعطيتني إيّاه
في يوم مضى».