أسرة تحرير «قلم غار»
لبنان عانق الأمل اليوم بانتخابه رئيسًا جديدًا بأكثريّة مسيحيّة: في 9 كانون الثاني 2025، طُويت صفحة شغور رئاسي استمر أكثر من سنتين وشهرين، بعد جلسة برلمانيّة شهدت انتخاب قائد الجيش العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهوريّة اللبنانيّة. حصل عون في الدورة الثانية من التصويت على 99 صوتًا من أصل 128 ليصبح الرئيس الرابع عشر في تاريخ لبنان، وطن الرسالة.
الجلسة التي انعقدت في البرلمان اللبناني في وسط بيروت أثمرت ولادة الرئيس الجديد، بعد جهود عربيّة ودوليّة لإنهاء فراغ رئاسي أثقل كاهل بلاد الأرز. على الرغم من الانقسام الذي ساد الكتل النيابيّة، بخاصة المسيحيّة، تمكّن العماد عون من حصد تأييد أكبر كتلة مسيحيّة في مجلس النواب وتجاوز الاعتراضات القانونيّة والسياسيّة.
خطاب القسم والتحدّيات المقبلة
بعد إعلان فوزه، ألقى الرئيس الجديد العماد جوزاف عون خطاب القسم في مجلس النواب، مؤكدًا التزامه بتغيير النهج السياسي والعمل على استقرار البلاد. وشدّد على أهمّية تجاوز الأزمات بحكمة ومسؤوليّة، معلنًا بدء مرحلة جديدة من تاريخ لبنان.
انتخابٌ يحاكي نداءات بكركي
منذ بداية الشغور الرئاسي، لعبت بكركي دورًا أساسيًّا في الدعوة إلى إنهاء الفراغ الرئاسي من خلال المواقف والعظات والنداءات المتواصلة التي أطلقها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي. لم تؤيد بكركي مرشّحًا معيّنًا علنًا، لكنها شدّدت على ضرورة انتخاب رئيس يضمن سيادة لبنان ويعمل بجدّية لمواجهة التحدّيات المحلّية والإقليميّة. فجاء انتخاب عون ليحاكي نداءات البطريركيّة المارونيّة.
العبسي يهنّئ عون
من جهته، بارك بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي للعماد عون على انتخابه رئيسًا للجمهوريّة اللبنانيّة، آملًا أن يؤسّس عهده لمرحلة جديدة تقوم على المؤسّسات والقانون والعدل وأن يكون مدخلًا لبناء دولة عصريّة منفتحة تحتضن جميع أبنائها.
جوزاف عون، ابن بلدة العيشيّة الجنوبيّة، وُلِدَ عام 1964، والتحق بالكلّية الحربيّة عام 1983. عُيِّنَ قائدًا للجيش عام 2017، محقّقًا إنجازات عسكريّة بارزة، منها الانتصار على الجماعات الإرهابيّة في جرود البقاع. تربطه علاقات متينة مع دول غربيّة، بخاصة الولايات المتحدة الأميركيّة، حيث قدّمت الدعم للجيش اللبناني.
على المستوى الشخصي، الرئيس الجديد متأهّل من نعمت نعمة وله ولدان خليل ونور، ومعروف بالتزامه الروحي ومشاركته في المناسبات الدينيّة الوطنيّة، محافظًا على الحياد الديني داخل المؤسّسة العسكريّة.
الاحتفالات تعمّ العيشيّة
في بلدة العيشيّة (جزين)، عمّت الاحتفالات فور إعلان انتخاب ابنها رئيسًا. رُفعت في الساحات والشوارع صور الرئيس الجديد ولافتات مهنّئة بانتخابه. وتابع أهالي البلدة في الساحة العامة وقائع جلسة الانتخاب على شاشة كبيرة. مع إعلان نتيجة التصويت في الدورة الثانية، غمرت أجواء الفرح قلوب المواطنين، فعبّروا عن بهجتهم بالرقص والزغاريد وتوزيع الحلوى.
هذه البلدة التي عانت من تبعات النزاعات الحدوديّة، رأت في انتخاب عون خطوة منصفة لمسيحيي الجنوب الذين تحمّلوا ويلات الحروب والتهجير.
البابا فرنسيس يفكّر بـ«لبنان الحبيب»
في سياق آخر، حضر لبنان اليوم أيضًا في كلمة البابا فرنسيس إلى الدبلوماسيين المعتمدين لدى الكرسي الرسولي بمناسبة اللقاء السنوي لتبادل التهاني بالسنة الجديدة. قال الحبر الأعظم: «أفكّر في لبنان الحبيب، آملًا أن يتمكّن هذا البلد، بمساعدة حاسمة من المكوّن المسيحي من تحقيق الاستقرار المؤسّسي اللازم لمواجهة الوضع الاقتصادي والاجتماعي الخطير، وإعادة إعمار جنوب البلاد المنكوب بالحرب، والتنفيذ الكامل للدستور واتفاق الطائف. وليعمل اللبنانيّون جميعًا حتى لا يتشوّه وجه أرض الأرز بالانقسام، بل يُشرق دائمًا من أجل “العيش المشترك”، ويبقى لبنان وطنًا ورسالة للعيش معًا والسلام».
إنّ تولّي العماد جوزاف عون سدّة الرئاسة يأتي في لحظة تاريخيّة حسّاسة، وسط أزمات سياسيّة واقتصادية متراكمة. يأمل اللبنانيّون أن يكون انتخابه بداية مسار جديد يعيد الاستقرار والثقة بالدولة في وقتٍ تتطلّع فيه البلاد إلى قيادة حكيمة ورؤية شاملة للنهوض من أزماتها.