مالك شاكر
لا داعيَ لسبر أغوار المعارف واستنطاق اللّيل في عتماته من أجل معرفة بعض أسرار الحياة. ليست لأنّ حلَّها ظاهر أمام مرأى البشريّة، إنّما العكس تمامًا. فكم غرقت العلوم في بئر لا قرار لها! فعجزت عن تحديد هويّة لخالق هذا الكون، وسقطت أمام مرحلة ما بعد الموت مدّعيةً أنّ الإنسان محضُ جسدٍ يفنى في التّراب ولا وجود لروحٍ تُبْعَثُ من جديد. وكم لجأت العلوم إلى اسم “الصّدفة” في حال حدث أمران متلائمان في الوقت عينه من دون سابق تصميم وتخطيط! وإلى ما هنالك من أسرار يتعارك في تفسيرها المؤمن والملحد، العالِمُ والفيلسوفُ.
عمَّ تبحث الإنسانيّة منذ أوائل أسلافها؟ وعلام الكلام منذ أنْ نشأت الحروف؟ وإلامَ يصبو كلُّ من أشرقت الشّمس عليه؟ لا تتيهَنَّ أفكارُكم، ولا تتعدّدي أيّتها الخيارات أو تحتاري، إنّ الإجابة واحدة واضحة. هو السّلام الّذي تنتهي إليه نوايا كلّ عاقل. فهاكَ رجلٌ يبحث عن المال، وآخر يبحث عن النّساء والشّهوات، وتجد من يبحث عن تحقيق ذاته بالكد والجِدّ، والعمل والأمل…
كما تلحظ على قارعة طريق الحياة نساءً يبحثْن عن محسوسات ومجرّداتٍ لا يمكن حصرُها. يمكنُ لكلِّ هذه الأبحاث أن تؤمِّن السّلام الذّاتي للباحث عنها أو السّاعي إليها، ولكنّه كم هو فقير الرّوح وواهن العقل من يبحث عن سلام موقّت يفنى بمرور دقائقَ أو ساعات رقّاص السّاعة أو بضعة أيّامٍ في أقصى حدّ! لست من أهل الّذين يعشقون النّقد والنّقّ عبثًا، ولا أنقض عمليّة البحث عن السّلام غير أنّني إخالُني وجدتُه، وأراني أحاول العيش تحت فيئه.
وجدْت السّلام صحيح، ولكنّني موقِنٌ أنّني وجدْتُ معطيه قبله. سيّدي ومعلّمي، سلامك لا يشبه سلام العالم، وعطاياك لا تنضب… لكأنّك عالمٌ بهذا الجوع الّذي يختزن أحشاءنا، وقد قرّرت أن تُشبعَنا كلَّما جُعنا. ترى السّلام والقناعة متلازمين، حيث يصلح أيٌّ منهما أن يكون ابنًا أو أبًا للآخر. فمن امتلك قناعةً نورانيّة في حياته، قضاها بسلام مطلق. ومن سَلِمَت روحه بصفاء ذهنه، أغمض عينيه على وسادة القناعة وعزّى ذاته بذاته.
جميلٌ أن نعيش حياةً ملؤها الطّموح والمثابرة، بيد أنّ الأجمل هو الإسناد إلى كتف من أعطانا الحياة، لأنّك متى سقطْتَ بإمكانك أن تعود إليه وتسأله عن السّبب فيعينُك. أمّا متى عوّلْتَ على ذراعك، فلا يحقّ لك أن تستغرب السّقوط.
إلهي، علّمني كيف أخرج من ذاتي لأنظر إليك، وكيف أستقي منك مصالحتي مع ذاتي. سلامك الّذي تعطيه لا يشبه سلام البحار والوهاد والرّوابي، ولا سلام الدّولار وأولاده، ولا سلام الرّئاسة والتّزعُّم. لا أدري ما هو سلامك، ولكنّي أعرف أنّني أطالبك به دومًا. وأعرف أخيرًا أنّ محبّتك سلامي، ورضاك وِسامي، ولهذا نفخْتَ روحك في حياتي.