إلسي كفوري خميس
إنّها من أبرز سيّدات القصر اللواتي طبعن مسيرتهن ببصمةٍ نوعيّة.
لم تكن منى الهراوي، أرملة الرئيس اللبناني الراحل الياس الهراوي، سيّدة عاديّة، بل أمست مثالًا للسيّدة الأولى التي أتمّت واجباتها على أكمل وجه. كسبت ودّ الناس واحترامهم وتقديرهم لعطاءاتها ودورها الفاعل في المجالات الإنسانيّة والاجتماعيّة والثقافيّة.
تميّزت بأناقتها وحضورها اللافت. على الرغم من خروجها من القصر، بقيت «الريّسة»، كما تحلو تسميتها للبعض. من يعرفها عن كثب يدرك أنّها امرأة فولاذيّة.
أصولها فلسطينيّة؛ تتحدّر من أمّ لبنانيّة وأب فلسطيني. ترعرعت في القدس حيث دُفِنَ والدها، وفي قلبها حسرة استحالة زيارة قبره. عاشت طفولة صعبة، والأسى ولّد فيها مزيجًا من التصميم والإرادة والصلابة لتحقق ما تصبو إليه.
تحدّت الأهل وتزوّجت الرئيس الهراوي وانكبّت على بناء المواطن، فاستحقت لقب السيّدة الأولى من دون منازع طوال فترة حكم زوجها الممتدة من العام 1989 لغاية 1998.
في اليوم العالمي للمرأة الواقع في 8 آذار من كل عام، تتحدّث اللبنانيّة الأولى السابقة منى الهراوي لـ«قلم غار» عن حضور الربّ في حياتها، وعن أبرز الإنجازات التي طبعت مسيرتها في الشأن العام، ودورها في تمكين المرأة اللبنانيّة.

الله شفى جرح فقدان ابني
تؤكد الهراوي اختبارها حضور الربّ في حياتها وتحلّيها بثقة مطلقة به، فتقول: «إيماني قويٌّ جدًّا. هو الأساس في حياتي، ومن خلاله أستمدّ الصبر لأتخطى الصعوبات. إيماني يمنحني القوّة لأتمكّن من ضبط انفعالاتي وتحمُّل المشكلات. أنا أخاف الله. وأكثر ما يهمّني يكمن في راحة المحيطين بي وأحبابي، ولو على حساب راحتي الشخصيّة».
تسرد حادثة فقدان ابنها البكر رولان وهو لم يتخطَّ السنتين، نتيجة مشكلة صحّية (انشقاق العمود الفقري)، لتلمس من خلالها وجود الله. تؤكد أنّ «التجربة لم تكن سهلة أبدًا» حيث انعزلت عن العالم 40 يومًا. وتستطرد قائلة: «تخطّيتها بقوّة إيماني. وآمنت بأنّ الله سيعوّضني. بالفعل، أغدق الله نعمه عليَّ، فأنجبت صبيًّا ثانيًا، وأطلقت عليه الاسم عينه رولان. تضيف: «كانت هذه التجربة أصعب ما عشته، لكنني تمكّنت من تخطّيها بالصلاة التي جعلتني أنعم بالراحة والسكينة والسلام الداخلي».

عمل مثمر مستمر
لم تستقل منى الهراوي من العمل الإنساني والثقافي. وما زالت تنشط على رأس المؤسسة الوطنيّة للتراث ومركز الرعاية الدائمة اللذين أسّستهما، وهما من أهمّ إنجازاتها ويصبّان اهتمامهما على الاعتناء بمرضى التلاسيميا والسكّري من الأطفال.
مركز الرعاية الدائمة قد يكون المكان الأحبّ إلى قلبها. تقصده يوميًّا لتكون على تماسٍ مباشر مع الموظفين والمرضى، ولتشرف على حسن سير العمل فيه. تقول عن ظروف تأسيسه: «عندما تسلّم الرئيس الياس الهراوي الحكم، كان وضع البلد صعبًا جدًّا، وشعرت بأنّ من واجبي الانخراط في الشأن الاجتماعي. فوقع اختياري على التلاسيميا والسكّري، وأسّست المركز الذي يعالج اليوم حوالى 3200 مريض. أعمل حاليًّا على تأمين استمراريّته، فمن غير الوارد التخلّي عن أشخاص يواجهون أمراضًا مزمنة، وعدم إعطائهم حقّهم وإبراز دورهم في المجتمع».
لم تُغفِل الهراوي الثقافة، فاهتمّت بالآثار والمتحف الوطني. تقول: «رأيتُ وجوب أن تكون الشؤون الثقافيّة من أولويّاتي كسيّدة أولى لأنّ لبنان كان بحاجة إلى نهضة إنسانيّة واجتماعيّة وثقافيّة. ضميري مرتاح، وأنا حريصة على استمرار العمل في الحقل الاجتماعي-الإنساني، ولا سيّما في مركز الرعاية الدائمة».

تمكين المرأة اللبنانيّة
في مجال دعم المرأة، كانت للهراوي تجربة مهمّة. فهي من مؤسِّسات الهيئة الوطنيّة لشؤون المرأة. تؤكد أنّها «سعت مع مجموعة من السيّدات، قدر المستطاع، إلى تمكين المرأة اللبنانيّة في ظلّ مجتمع ذكوري، ومساعدتها لتنال حرّيتها وحقوقها كي تكون فاعلة في المجتمع وتتمكّن من إعانة عائلتها».
وتعتبر أنّ وضع المرأة اللبنانيّة اليوم أصبح أفضل ممّا كان عليه أمس من ناحية الحقوق، لكن ما زال ينقصها الكثير. وتردف: «أعتقد أنّ على المرأة إثبات وجودها بنفسها. وقد أثبتت ذلك بعِلمها. فالعلم يتيح لها الفرصة لكي تتقدّم وتصبح فاعلة في المجتمع وتفرض احترامها. العلم سلاح لكنه لا يكفي. على المرأة أن تعرف كيف تتصرّف بلباقة مع شريكها أوّلًا، وفي المجتمع ثانيًا».
وتختم الهراوي سرد اختبارها عبر «قلم غار» بشكر الربّ على النعمة التي وهبها إيّاها، والمتمثّلة في أن تكون فاعلة وتخدم مجتمعها. كما تحمده على راحة الضمير، قائلة: «عندما يقدّر الناس عملي ويشكرونني عليه، فهذه نعمة إلهيّة أيضًا. محبّة الناس هي إحدى ثمار التحلّي بالمصداقيّة».