نيكول طعمة
في مشهد يعكس أصالة القيم الإنسانيّة وعمق الإحساس بالمسؤوليّة تجاه الآخر، يجسّد الشباب اللبناني نبض العطاء وروح التكاتف والتفاني، مستمدًّا طاقاته من أرضٍ جُبِلَت بالكرامة والمعاناة في آنٍ واحد.
عند كل أزمة، يتحرّك جيلٌ شاب بشجاعة من أجل خدمة الإنسان بعيدًا من الفوارق والحسابات، ساعيًا إلى تخفيف آلام المجتمع المثقل بجراح الحروب والتحدّيات الاقتصاديّة والاجتماعيّة. في ظل الأوضاع المأساويّة التي يعيشها لبنان نتيجة الحرب الإسرائيليّة وما خلّفته من تهجير ودمار، برزت «مبادرة مؤثرين في بيروت» كاستجابة إنسانيّة تهدف إلى مدّ يد العون للنازحين اللبنانيين وتخفيف معاناتهم، بفضل جهود متواصلة يقودها مؤثّرون ومتطوّعون في المجتمع.
ما ماهيّة هذه المبادرة؟ هل تشبه سواها من المبادرات؟ كيف تُحاكي حاجات الأسر النازحة؟
مبادرة ناشطة في الميدان
في سياق متصل، شارك صيدلاني وشقيقته من آل رسلان، وهما ناشطان في «مبادرة مؤثرين في بيروت» ومسؤولان عن قسم الأدوية وكيفيّة تأمينها وتوزيعها على المحتاجين، «قلم غار» تفاصيل هذه المبادرة وأهمّية وجودها في المرحلة الراهنة.
شرح رسلان: «مبادرة مؤثرين في بيروت» وُلِدَت بدافعٍ إنساني تلبيةً لاحتياجات أولئك الذين أجبرتهم ظروف الحرب الهمجيّة على مغادرة بيوتهم وأحيائهم. تُعتبر هذه المبادرة شاهدًا على اندفاع الشباب اللبناني لمدّ يد العون إلى الآخرين؛ يلتئم المؤثرون والمتطوّعون بتنوّع مشاربهم وخبراتهم للسعي إلى تحقيق هدف واحد يكمن في العطاء والخدمة، من خلال توفير الأدوية والمستلزمات الضروريّة التي يصعب الوصول إليها. إنّها مبادرة لرفع المعاناة عن كاهل عائلات نازحة كثيرة في وقت تتفاقم الصعوبات وتتزايد التحدّيات».
وأضاف: «انطلقت المبادرة في 23 أيلول الفائت على يد مجموعة من الصيادلة والمؤثرين، بحيث تبرّع كل صيدلي بما يتوافر لدى صيدليّته من أدوية الأمراض المزمنة والمسكّنات والمضادات الحيويّة».
كما أثنى رسلان على جهود جميع الشباب الذين يشاركون في هذه المبادرة لضمان إيصال الأدوية وسواها إلى الأسر النازحة في ظل الظروف الصعبة، مشدّدًا على أهمّية التنسيق بين المؤثرين والمتطوّعين لتحقيق ذلك.
تابع: «تعمل المبادرة على تأمين مجموعة كبيرة من أدوية الأمراض المزمنة، أبرزها أدوية السكّري والضغط والقلب والصرع والكآبة وغيرها من المسكّنات والمضادات الحيويّة التي يتبرّع بجزء منها بعض الصيدليّات وشركات الأدوية بينما نشتري ما يلزمنا بالمبالغ المُقَدَّمَة من خيّرين».
تقدمات المبادرة وتوسُّع خدماتها
نتيجة تواصله مع عدد من الشباب المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، علّق رسلان: «تواصلوا معنا للتطوّع، ولا سيّما أنّ هؤلاء الشباب سبق وقدّموا الكثير من الفرش والحرامات والثياب والحصص الغذائيّة وأدوات التنظيف إلى عائلات نازحة».
وأردف: «بدأ نشاطنا في مركز واقع في حرج قصقص، حيث وضعنا ما توافر لدينا من الأغراض والمساعدات في عدد من الخيم. لكن بعد الضربة القويّة على حارة حريك في 27 أيلول الماضي، لم يعد الوضع آمنًا هناك. لذلك، تواصل أحد الشبّان من صنّاع المحتوى مع وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد مرتضى الذي بادر فورًا إلى تخصيص قاعة كبيرة لنا في قصر اليونيسكو، أصبحت في ما بعد مكاننا الحالي الذي يتّسع لكل التقدمات والمساعدات العينيّة المتلقّاة من المتبرّعين».
إلى جانب عدد من المتطوّعين، أوضح رسلان أنّ حوالى 15 شخصًا يعملون بشكل متواصل كخليّة نحل على الأرض، منهم من يقوم بفرز الأغراض وتوضيبها، فيما يتلقّى آخرون اتصالات من العائلات النازحة ويهتمّون بملء طلبات بالمستلزمات التي يحتاجونها وبتحديد مواعيد لتسليمها.
ردًّا على سؤال عن مصدر جمع التبرّعات، أجاب رسلان: «غالبًا ما تكون التبرّعات المادّية من مغتربين، وبعضها من أشخاص خيّرين في لبنان. وبهذه المبالغ تمكّنا من شراء الحفاضات والحليب للأطفال، فضلًا عن توفير الأدوية الأساسيّة وتوضيبها بشكل تكون الكميّة كافية لمدّة أسبوعين لكل مريض لأنّ الطلب على الأدوية كبير جدًّا. من هنا، استطعنا حتى الآن توزيع الأدوية على أكثر من 3 آلاف شخص».
على الرغم من أنّ رسلان هو أيضًا تهجّر من منزله في الضاحية هربًا من الحرب، وقد لحقت الأضرار بصيدليّته إلا أنّ ذلك دفعه إلى الوقوف بجانب إخوته في الإنسانيّة من خلال خبرته في مهنته.
رسلان وصف مشاركته في «مبادرة مؤثرين في بيروت» بالمميّزة، مردفًا: «أنا سعيد جدًّا بمساعدة الناس، ولا سيّما في مسألة توفير الأدوية التي تُعتبر من الضروريّات والأساسيّات في حياتنا. عندما تبلغ مسمعي دعوات مُسِنّ، وهو يشكرني، أنسى تعب النهار. وبالتالي، أعجز عن وصف مشاعري تجاه هذا المشهد. أنا مستمرّ في الخدمة والعطاء حتى لو توقفت التبرّعات، ويمكنني أن أقدّم الاستشارات الطبّية المتعلّقة بالأدوية الموجودة في مراكز الرعاية الصحّية، وفق خبرتي في العمل الصيدلي».
آلاف العائلات تتلقّى المساعدات
إلى ذلك، أخبرت المسؤولة عن الشق المالي في المبادرة ميساء عطالله، «قلم غار» أنّ المبالغ التي يتلقّونها من المتبرّعين تُصرَف على مختلف أنواع الأدوية والخدمات العينيّة.
وقالت: «مع بداية الحرب، استأجرنا عددًا من المنازل لإيواء بعض العائلات النازحة. وحاليًّا، تُوَزَّعُ قرابة 200 حصّة غذائيّة يوميًّا على المحتاجين. كذلك، نقدّم بين 1000 و1200 وجبة ساخنة في اليوم. وقد شمل تقديم الثياب والفرش والحرامات والوسادات ما بين 10 و15 ألف عائلة نازحة».
في زمن الحروب، تبقى «مبادرة مؤثرين في بيروت» صرخة وجدان ورسالة تعاضد وإشراقة أمل ونموذجًا للتضامن الإنساني في أرضٍ مجروحة. تواصل هذه المبادرة عملها الإنساني، مجسّدةً روح الشباب اللبناني الذي لا يتوانى عن تقديم يد العون لمن يحتاجها كي تثبت أنّها صورة للتكاتف الوطني.