أسرة تحرير «قلم غار»
في السنوات الأخيرة، انتشرت بين الشباب موضة جديدة تُعرَف باسم الكارما. إذا وقعت أحداث معيّنة، يقول بعضهم للبعض الآخر: «ردّت عليك الكارما أو سبب ما يحصل معك يعود إلى الكارما»…
لا شك في أنّ مفهوم الكارما غريب عن ثقافتنا المشرقيّة وإيماننا المسيحي. على الرغم من ذلك، يستخدمه الشباب، وهم يجهلون معناه الحقيقي في أغلب الأحيان.

ما هي الكارما؟
في حديث خاص إلى «قلم غار»، عرّفت جيزل فرح طربيه، باحثة في البدع وكاتبة ومحاضرة، الكارما أو الموكشا بأنّها من تعاليم ديانات الشرق الأقصى، كالهندوسيّة والبوذيّة والجاينيّة، ومن فلسفات قديمة كالأفلاطونيّة المحدّثة والبيتاغوريّة، ولها علاقة بعقيدة التقمّص التي تفترض أنّ الإنسان يعيش حيوات عدّة في سلسلة تقمّصات يطلقون عليها اسم «سمسارا».

شرحت طربيه: «هناك ميزان الكارما أي ميزان الأعمال؛ تلك التي يقوم بها الإنسان، فضلًا عن العواقب الأخلاقيّة الناتجة عنها، سواء أكانت خيرًا أم شرًّا. هذه التبعات لا تكون نتائجها في حياته الحاليّة فقط لكن لها تأثير على الحيوات الأخرى بعد الموت؛ إذا عمل خيرًا في هذه الحياة، يحصد الخير في الحياة الثانية، والعكس صحيح».
واستنتجت: «يرى أتباع الكارما وجوب أن يعدّل الإنسان ميزانها ليطهّر نفسه ويتخلّص من سلسلة التقمّصات، ويصل إلى النيرفانا، وهي نوع من أنواع الذوبان والعدميّة وسط طاقة الألوهة؛ الطاقة الكونيّة المفترضة التي تُعتبر أصل الوجود بالنسبة إلى المؤمنين بالكارما».
وأضافت: «الإنسان هو سيّد نفسه ويخلّص ذاته بحسب أعماله وبرّه، وفق الكارما. وكل ما يحصل معه يستحقه لأنّه نتيجة أعماله. وبالتالي، يستطيع تحديد مصيره حين يفهم عمل ميزان الكارما الخاص به».

موقف الدين المسيحي من الكارما
ردًّا على سؤال حول موقف الدين المسيحي من الكارما، أجابت طربيه: «الكارما تتعارض مع الإيمان المسيحي لأسباب كثيرة، أبرزها أربعة، وهي الآتية:
- لا شك في أنّ لأعمالنا عواقب ونتائج لكنها لا تتخطى الحياة التي نعيشها. يقول مار بولس في رسالته إلى أهل غلاطية: “لا تضلّوا! الله لا يشمخ عليه. فإنّ الذي يزرعه الإنسان، إيّاه يحصد أيضًا لأنّ من يزرع لجسده، فمن الجسد يحصد فسادًا، ومن يزرع للروح، فمن الروح يحصد حياةً أبديّة” (غل 6: 7-8).
- الإنسان لا يستطيع أن يخلّص نفسه بنفسه، بل هو بحاجة إلى مخلّص. وحده المسيح هو المخلّص لأنّ الإنسان لا يملك صلاحًا من ذاته. وبعد سقوطه في الخطيئة، صارت طبيعته مشوّهة وبات بحاجة إلى فداء المسيح. يقول مار بولس في رسالته إلى أهل روما: “الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله” (رو 3: 23)، و”لا أحد بار، ولا واحد. جميع الناس قد ضلّوا، وصاروا كلّهم بلا نفع. ليس من يعمل صلاحًا، ليس ولا واحد (رو 3: 10-12)، و”متبرّرين مجّانًا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح، الذي قدّمه الله كفّارة بالإيمان بدمه لإظهار برّه من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله” (رو 3: 24-25).
لذلك، إذا آمنا بالكارما، نحن نرفض الخلاص المُعطى لنا مجّانًا بفداء المسيح.
- نحن لا نؤمن بألوهة مبهمة وبطاقات كونيّة وهميّة لم يثبتها العلم وبحالات ذوبان وعدميّة متل النيرفانا لكننا نؤمن بإله واحد في ثلاثة أقانيم: آب وابن وروح قدس، ونؤمن بحياة أبديّة وبملكوت سماوي.
- نحن لا نؤمن بعقيدة التقمّص، وبالتالي، بميزان الكارما لأنّ الإنسان يعيش حياة واحدة لا غير. يقول مار بولس في رسالته إلى العبرانيين: “كما وُضع للناس أن يموتوا مرّة ثمّ بعد ذلك الدينونة، هكذا المسيح أيضًا بعدما قُدِّمَ مرّة ليحمل خطايا كثيرين، سيظهر ثانية بلا خطيئة للخلاص للذين ينتظرونه” (عب 9: 27-28)».
وخلصت طربيه إلى القول عبر «قلم غار»: «لهذه الأسباب، تتعارض الكارما تمامًا مع الإيمان المسيحي. لنحذر ولنبتعد عن تبنّي أيّ موضة تُفرَض علينا كي نبقى أمناء للإيمان المتوارث من الرسل القديسين، وأوفياء للربّ الذي بذل نفسه من أجلنا على الصليب ليهبنا الخلاص ويشركنا في حياته الإلهيّة».