إلسي كفوري خميس
20 تشرين الأوّل 2024 تاريخ جلل تحتفل فيه الكنيسة الكاثوليكيّة، تحديدًا المارونيّة، بإعلان قداسة الإخوة المسابكيين الثلاثة الذين نذروا حياتهم في خدمة الربّ وسقطوا شهداء إيمانهم. ثلاثة علمانيين سيُرفعون قديسين على مذابح الكنيسة في حدث تاريخي يشهد على أهمّية التوفيق بين مقتضيات الحياة الروحيّة والاهتمام بالشؤون الزمنيّة من دون الحاجة إلى دخول الدير أو عيش الحياة النسكيّة لبلوغ القداسة.

في حديث خاص إلى «قلم غار»، تناول المطران يوحنا رفيق الورشا، طالب دعوى تقديس الإخوة المسابكيين الموارنة والمعتمد البطريركي الماروني لدى الكرسي الرسولي في روما ورئيس المعهد الحبري الماروني في العاصمة الإيطاليّة، مسار دعوى إعلان قداسة الإخوة الشهداء، مؤكدًا أهمّية مسيرتهم باعتبارهم يمثّلون كل عائلة مسيحيّة قادرة على سلوك درب القداسة.
مسار دعوى تقديس المسابكيين
أخبر المطران الورشا موقعنا أنّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أعاد تحريك دعوى التقديس في العام 2022، ولا سيّما أنّ التطويب حصل سنة 1926 في عهد المطران بشارة الشمالي، مطران أبرشيّة صربا آنذاك.
وأكد أنّ البابا فرنسيس وافق بسرعة على دعوى التقديس بعد الكتاب الذي رفعه إليه سينودس الأساقفة لأنّ الإخوة المسابكيين شهداء، والاستشهاد من أجل المسيح، وفق مجمع القديسين، هو أسرع طريق للتقديس وذروة الحياة المسيحيّة، ولا يحتاج إلى أعجوبة مثبتة قانونيًّا وعلميًّا.
واستطرد قائلًا: «سلوك الدعوى بهذه الطريقة السريعة -طريقة غير عادية- غير كافٍ وحده، إنما يجب إضافة شهادات حياة واختبارات إلى ملفّ التقديس. وقد جمعنا كل هذه الشهادات وأرفقناها مع دعوى الرهبان الثمانية الفرنسيسكان. وكما يقول مطران صربا السابق غي نجيم: “إنّ أجمل أعجوبة اجترحها المسابكيّون تكمن في قبول البابا إعلان قداستهم بهذه السرعة”».
وأشار المطران الورشا إلى أنّ كثيرين تحدّثوا عن اختبارات روحيّة حصلت معهم بشفاعة الإخوة المسابكيين، كشهادة امرأة في الشام ذكرت أنّها شُفيت من مرضها بشفاعتهم. وقد جرى التحقيق في هذا الشفاء، وثبت أنّ تعافيها حصل بطريقة تفوق العقل البشري، فضلًا عن نعم روحيّة كثيرة أُغدِقت على آخرين.
ولفت إلى أنّ هناك 180 شخصًا من الولايات المتحدة الأميركيّة سيحضرون احتفال التقديس، معتبرًا ذلك دليلًا على أنّ لهؤلاء اختبارات روحيّة خاصة بهم وإن لم يعلنوا عنها.
الإخوة المسابكيّون في سطور
إلى ذلك، سلّط المطران الورشا الضوء على سير حياة الإخوة المسابكيين وفضائلهم، شارحًا:
«الإخوة الثلاثة هم فرنسيس، وعبد المعطي، ورفائيل مسابكي. أصلهم سوري من الشام، ولهم أقارب في لبنان موزّعون على عدد من المناطق في زحلة والجنوب وجزين. وكانوا قد استشهدوا في زمن الاضطهادات التركيّة في 10 تمّوز 1860.
- فرنسيس: ربّ عائلة مؤلفة من ثمانية أولاد، وتاجر حرير كبير وغنيّ. له علاقات مع البطريركيّة المارونيّة، وفاعل خير. كان يصلّي كثيرًا، ويقصد دير الفرنسيسكان القريب من منزله في دمشق. واظب على الصلاة وعبادة القربان وتلاوة المسبحة مع عائلته وإخوته.
- عبد المعطي: ربّ عائلة من خمسة أولاد. ملتزم، ودرّس التعليم المسيحي في دير الفرنسيسكان. كان معروفًا باستقامته، ولطالما نادى بالشهادة، وردّد دومًا: «الموت من أجل الربّ نعمة».
- رفائيل: الأخ الثالث، لم يكن متزوّجًا لكنه كان بسيط القلب. أمضى حياته خادمًا في كنيسة الفرنسيسكان، وكرّس وقته للاهتمام بشؤون الكنيسة والصلاة أمام القربان.
شفاعة الإخوة المسابكيين
في سياق متصل، أشار المطران الورشا إلى رغبة الكنيسة المارونيّة في جعل كل واحد من الإخوة المسابكيين الموارنة شفيعًا لفئة معيّنة من الناس.
وأوضح: فرنسيس التاجر هو شفيع كل من يعمل في التجارة والاقتصاد وعالم المال والأعمال لكي يدرك أنّ ما يملكه هو عطيّة من الله، وأن يتقاسمه مع الجائعين والفقراء والمهمّشين، كما كان يفعل فرنسيس.
أمّا عبد المعطي، فهو شفيع المعلّمين، وكل من يعمل في الحقل التربوي للاقتداء بطريقة تعليمه التي لا تقتصر على إعطاء المعلومات فحسب، إنّما نقل طريقة حياته والأخلاق المسيحيّة إلى تلامذته.
بينما رفائيل سيكون شفيع ذوي الاحتياجات الخاصة والناس البسطاء ومن يعانون من صعوبات في التعلّم.
وختم المطران الورشا حديثه عبر «قلم غار»، مشدّدًا على أهمّية شهادة الإخوة المسابكيين لأنّهم رفضوا إنكار إيمانهم، واختاروا الموت من أجل المسيح، استجابةً لكلامه: «من اعترف بي أمام الناس، أعترف به أمام أبي الذي في السماوات. ومن أنكرني أمام الناس أنكره أمام أبي الذي في السماوات» (متى 10: 32-33).
———————————————————-
الجدير بالذكر أنّ التحضيرات أُنجزت لإعلان تقديس الإخوة المسابكيين الأحد المقبل. وقد تسلّم المطران الورشا، ممثّلًا الكنيسة المارونيّة، بطاقات لحضور القداس الذي سيترأسه البابا فرنسيس بمعاونة الكرادلة والأساقفة، وعددها ألف بطاقة للناس المشاركين، ومئة بطاقة لأقرباء عائلة المسابكيين أو من كان له دور في مسار التقديس، على أن تُقَدِّم القرابين عائلة من المسابكيين.
ويلي قداس الأحد قداس شكر يوم الاثنين المقبل يترأسه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عند الخامسة من بعد الظهر في بازيليك القديس بطرس الفاتيكانيّة.