غيتا مارون
في زمن حافل بالتحدّيات الكبيرة، يواجه الإعلام المسيحي، ولا سيّما اللبناني، صعوبات جمّة في مواصلة رسالته الروحيّة وسط عالم تسوده المادة. مع ذلك، يبقى الإيمان بالله هو الدافع الأساسي لنخبة من المنابر التي تعمل بجدٍّ من أجل زرع الأمل وتعزيز القيم الروحيّة. في خضمّ هذا الواقع، كيف يمكن للإعلام المسيحي التغلّب على التحدّيات المتزايدة؟ وما دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز هذه الرسالة؟

في حديث خاص إلى «قلم غار»، أكد المرسل اللبناني الأب شربل طنوس جعجع، المدير التنفيذي في «إذاعة صوت المحبّة وتشاريتي تي في» (مؤسسة واحدة مرئيّة ومسموعة ومكتوبة في الوقت عينه)، أنّ الإعلام، بشكل عام، يواجه صعوبات وتحدّيات جمّة، فكم بالحريّ الإعلام المسيحي، عازيًا ذلك إلى ما تواجهه الكنيسة من تحدّيات وصعوبات في عالم يطغى عليه الإلحاد والشذوذ والصوت الذي يشجّع الإنسان على اتّباع شهواته الأرضيّة وإنكار الله ووجوده في الحياة.
وتابع: «هذه تحدّيات عالميّة تطال الكنيسة بشكل عام، وبخاصة كنيستنا المارونيّة المتأثرة بالأزمة الاقتصاديّة والحروب وهجرة الشبيبة في لبنان. فما الحال إذا تحدّثنا عن منصّات دينيّة مسيحيّة؟ وإلى أيّ مدى يهتم الشعب بحاجاته الروحيّة؟ مهما كانت الظروف، نحن موجودون لإعلاء الصوت وزرع الأمل في قلوب الناس».
وأضاف: «التحدّيات تكمن في عدم إيجاد آذان مصغية ودعم في هذا العالم الذي يتوجّه إلى نكران المسيح والتخلّي عن كنيسته»، مردفًا: «قليلون هم الداعمون. المتابعون كثيرون لكن الداعمين قليلون لأنّ من يصغون إلينا يشبهوننا وهم فقراء ومؤمنون ومتّكلون على الربّ مثلنا».

التحدّي الأكبر في الإعلام المسيحي
شدّد الأب جعجع على «أنّ التحدّي الأكبر يكمن في مواجهة هذه التحدّيات من دون مساعدة أحد»، مضيفًا: «لو اتّكلنا على أناس أرضيين، لَفَشِلنا منذ البداية. نحن نعتمد على عمل الروح القدس، فهو أسّس “إذاعة صوت المحبّة وتشاريتي تي في” في العنصرة ويتابع مسيرته معنا، ويقول لنا: تشدّدوا ولا تخافوا! أنا إلى جانبكم وأمنحكم نعمي ومواهبي لتستطيعوا أن تكملوا السير في عصر يتقدّم نحو المادّية والدنيويّة».
واستطرد الأب جعجع، قائلًا: «من التحدّيات أيضًا بذل مجهود يومي لإيجاد أفكار عصريّة ومحتوى يطال شبيبة اليوم، بخاصة التائهين منهم، ليتعرّفوا أكثر على المسيح وإيمانهم».
وأردف: «بالنسبة إلى المؤسسات الدينيّة، المحتوى موجّه جدًّا إلى فئة معيّنة من الناس. لدينا مموّلون صغار ومحبّون كثُر، و”البحصة تسند خابية”. نتّكل على آلاف البشر الذين يضعون دولارًا واحدًا في حصّالة المحبّة، ونتّكل قليلًا على المغتربين المؤمنين بهذه الرسالة».
وأوضح: «نحاول إيصال كلمات يسوع “ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه؟ (مت 16: 26)” في كل البرامج».
وأشار إلى صعوبة إيجاد أشخاص عميقي التفكير يعرفون الحديث عن يسوع وقراءة الإنجيل ويحسنون المخاطبة إذ «إنّ كثيرين يقصدون “تشاريتي تي في” لتقديم البرامج، ويكونون ممتلئين من كل شيء لكنهم فارغون من المسيح. كما أنّ شبيبة اليوم تبحث عن الشهرة قبل البشارة من خلال الإذاعة والشاشة».

دور الذكاء الاصطناعي في إيصال الرسالة
إلى ذلك، قال الأب جعجع إنّ الاختراعات في العالم جيّدة لكن الأشرار يستعملونها بطريقة سيّئة، شارحًا: «الذكاء الاصطناعي يُستخدم في مؤسساتنا لتطوير العمل البشري وليس ليحلّ مكانه بهدف إيجاد طرق عصريّة جديدة توصل البشرى إلى الشبيبة في المونتاج والغرافيكس والصوتيّات والتعليق الصوتي لتحسين الأداء».
أفق الإعلام المسيحي
على صعيد الإعلام بشكل عام، رأى الأب جعجع أنّ العالم المرئي يشهد تراجعًا بوجود السوشيل ميديا والتقنيّات الجديدة، موضحًا: «لن يعود هناك وجود للتلفزيونات بالشكل المتعارف عليه، بل ستتحوّل إلى “التلفزيون الذكي” (سمارت تي في)، وقد بدأ هذا النوع بالانتشار».
وأضاف: «على صعيد الإذاعة، لم تعد موجودة في البيوت. اقتصر وجودها على السيّارات. نستنتج أنّ الإعلام برمّته في تراجع وزوال بشكله الحالي».
واعتبر أنّ الإيجابيّة تتمثّل بالحضور على صفحات السوشيل ميديا ومواكبة تطوّر هذا القطاع عبر كل المنابر، مشدّدًا على أهمّية دور التربية وتشجيع الأولاد على استخدام التطبيقات المسيحيّة والمشاركة في النشاطات الدينيّة.
وختم الأب جعجع حديثه عبر «قلم غار»، مؤكدًا أنّ «صوت المحبّة وتشاريتي تي في» يسيران على طريق التجديد ومواكبة التطوّر، فالمهمّ أن يبقى الإعلام المسيحي حتى إن تغيّر شكل إيصال الرسالة، وأن يكون موجودًا في كل الوسائل العصريّة الحديثة الحاليّة والمقبلة.
كما أشاد برسالة موقعنا، مشيرًا إلى أنّه يحاول في كل لحظة نشر المحتوى الجيّد وتخصيص نسبة كبيرة منه للشؤون الدينيّة والكنسيّة الهادفة إلى توعية شبيبتنا.

——————————————————————————
لمحة عن تأسيس «صوت المحبّة»
تأسّست إذاعة «صوت المحبّة» في خلال الحرب اللبنانيّة يوم العنصرة في العام 1984. اسمها «صوت المحبّة» لأنّ هدفها يكمن في نشر المحبّة (بين المتخاصمين) والتبشير. تبثّ في لبنان والدول المجاورة (سوريا والأراضي المقدّسة)، وتديرها جمعيّة المرسلين الموارنة، وهي صوت البطريركيّة المارونيّة لأنّها تابعة مباشرةً إلى الصرح البطريركي. تبثّ 24/24 ساعة، وهي موجّهة إلى جميع الطوائف المسيحيّة من دون استثناء.
حتى اليوم، في رصيد «صوت المحبّة» 40 سنة من البثّ المتواصل والبرامج المنوّعة (أرشيف كبير وتغطية مستمرّة). سعت دومًا كي تكون «صوت الذين لا صوت لهم»، ودفعت الثمن في العام 2005 بعد مطالبتها بحلّ قضيّة السجناء في سوريا، بحسب ما أفادنا الأب شربل جعجع.
في 6 أيّار 2005، في الليلة عينها من البثّ المباشر من ساحة الشهداء في بيروت للمطالبة بالإفراج عن هؤلاء السجناء، فُجِّرَت إذاعة «صوت المحبّة» بهدف إسكات هذا الصوت المنادي بالحرّية والإنسان والضمير والاستقلال. توقفت الإذاعة 3 ساعات فقط عن البثّ. عند الساعة 12 ليلًا، عادت إلى البثّ مباشرةً من ستوديو بديل لتقول: «حتى لو فجّرتمونا، فإنّ صوت يسوع لن يسكت، ولا يمكنكم إسكات صوت الإنسان الحرّ والضمير. لذلك، ما زلنا مستمرين 24/24 ساعة»، وفق ما قال الأب جعجع.
الآباء المتعاقبون على إدارة هذه المؤسسة هم الأب حنّون إندراوس، والأب إيلي نخّول، والأب فادي تابت، والأب مارون موسى مع الأب شربل جعجع.
لمحة عن تأسيس «تشاريتي تي في»
انطلقت فكرة تأسيس «تشاريتي تي في» عام 1984، لكنها كانت بحاجة إلى تعاون ومسؤوليّة أكبر. تأجّل تجسيد الفكرة في الواقع حتى العام 2009 بسبب الظروف الصعبة المهيمنة.
تبنّى الأبوان جان بو خليفة وإيلي ماضي هذه الرؤية، واقترحوا تنفيذ التلفزيون الرقمي (ويب تي في) باعتبارها فكرة عصريّة جديدة وتبشيريّة جميلة وشبابيّة.
انطلقت هذه المحطة في العام 2009 لتكون علامة فارقة في هذا العالم وأوّل شاشة تطلّ مباشرةً على شبكات التواصل الاجتماعي.
بعدئذٍ، تطوّرت هذه الفكرة وانتقل تنفيذها من البثّ الرقمي إلى الشاشة الصغيرة. في العام 2016، تغيّرت الإدارة وانضمّ الأب جعجع إلى فريق العمل، فبدأ السعي من أجل إيصال هذه الشاشة إلى الجميع. وتمكّنت المحطة بمعونة الروح القدس وعناية مريم العذراء من أن تتحوّل جزءًا أساسيًّا في حياة الناس اليوميّة.
في العام 2019، عُيِّنَ الأب جعجع في الإدارة التنفيذيّة للمحطّة، فعمل مع جمعيّة المرسلين الموارنة كي تنضم «تشاريتي تي في» إداريًّا إلى «صوت المحبّة» ليصبحا مؤسسة واحدة لها شبكة برامج موحّدة لتحقيق الهدف عينه.
وهكذا حصل، فباتت «صوت المحبّة وتشاريتي تي في» تحت إدارة واحدة، وصارت المحطة المنصّة المرئيّة لـ«صوت المحبّة»، فضلًا عن انضمام موقع إلكتروني إليهما.
——————————————————————————
