“ارفع نظرك، وانهض!” إنّها الدعوة التي يوجّهها الربّ يسوع إلينا، والتي أرَدْتُ أن أردّد صداها في الرسالة المكرّسة إليكم، أيّها الشباب، لكي ترافق مسيرة هذه السنة. هذا ما أكده البابا فرنسيس في القداس الإلهي الذي ترأسه بمناسبة عيد يسوع المسيح الملك واليوم العالمي السادس والثلاثين للشباب الذي يُحتفل به على صعيد أبرشيّ.
وتابع الأب الأقدس: إنّها المهمّة الأصعب والأروع التي أوكلت إليكم: أن تبقوا واقفين فيما يبدو أنّ كلّ شيء حولكم ينهار، وأن تكونوا رُقباء يعرفون كيف يرون النور في الرؤى الليليّة، وأن تكونوا بنّائين وسط الأنقاض، وأن تكونوا قادرين على أن تحلموا لأنّ هذا ما يفعله الشخص الذي يحلم: لا يسمح لليل بأن يمتصّه، بل يضيء شعلةً، نور رجاء يُبشّر بالغد.
وأضاف البابا فرنسيس: أودّ أن أقول لكم هذا: نحن، جميعًا، شاكرون لكم عندما تحلمون، وعندما تجعلون يسوع حلم حياتكم وتعانقوه بفرح وحماسة مُعدية تفيدنا جميعًا! شكرًا لكم عندما تكونون قادرين على المُضيّ قدمًا بالأحلام بشجاعة، وعندما لا تتوقّفون عن الإيمان بالنور، حتّى في ليالي الحياة، وعندما تلتزمون بشغف لكي تجعلوا عالمنا أجمل وأكثر إنسانيّة.
وتوجّه الأب الأقدس بالشكر إلى الشباب، قائلًا: شكرًا لكم عندما تزرعون حلم الأخوّة، وعندما تهتمّون بجراح الخليقة، وتناضلون من أجل كرامة الأشدّ ضعفًا، وتنشرون روح التضامن والمشاركة. ولكن شكرًا لكم بشكل خاص، لأنّكم لم تفقدوا القدرة على الحلم في عالم يقوم على أرباح الحاضر ويتوق إلى خنق المثل العليا! هذا الأمر يساعدنا، نحن البالغين، ويساعد الكنيسة. نعم، نحن بحاجة أيضًا ككنيسة لأن نحلم، ونحن بحاجة لحماس الشباب واندفاعهم، لكي نكون شهودًا لإله شاب على الدوام!
وقال البابا فرنسيس: تنسجم العديد من أحلامكم مع أحلام الإنجيل. الأخوّة، والتضامن، والعدالة، والسلام: إنّها أحلام يسوع عينها للبشريّة. لا تخافوا من أن تنفتحوا على اللقاء معه: هو يحبّ أحلامكم ويساعدكم على تحقيقها. لقد كان الكاردينال مارتيني يقول إنّ الكنيسة والمجتمع بحاجة إلى “حالمين يبقوننا منفتحين على مفاجآت الروح القدس”. أتمنّى لكم أن تكونوا من بين هؤلاء الحالمين!
وأضاف الأب الأقدس: عندما يقول يسوع لبيلاطس: “إِنّني مَلِك”. يدهشنا تصميمه، وشجاعته، وحرّيّته المطلقة. لقد اعتُقِلَ، واقتيدَ إلى دار الحاكم، وتمّ استجوابه ممّن يمكنه أن يحكم عليه بالموت. في ظرف كهذا، كان بإمكانه أن يلجأ إلى حقّه الطبيعي في الدفاع عن نفسه، ربّما من خلال محاولته “لإصلاح الأمور” والمساومة. ولكن يسوع لم يُخْفِ هويّته، ولم يُخبّئ نواياه، وكذلك لم يستغلّ فتحة النجاة التي تركها له بيلاطس مفتوحة لا بل أجاب بشجاعة الحقيقة وقال: “إِنّني مَلِك”. تحمّل مسؤوليّة حياته: لقد جئت من أجل رسالة وسأذهب إلى النهاية لكي أشهد لملكوت الآب. وقال: “أَنا ما وُلِدتُ وأَتَيتُ العالَم إِلّا لأَشهَدَ لِلحَقّ”.
وأوضح البابا فرنسيس: لقد أتى من دون ازدواجيّة ليعلن بواسطة حياته أنّ مملكته مختلفة عن ممالك العالم، وأنّ الله لا يملك لكي يزيد قوّته ويسحق الآخرين، ولا يحكم بالجيوش والقوّة. وإنما ملكوته هو ملكوت المحبّة، ملكوت مَن يبذل حياته من أجل خلاص الآخرين. أيّها الشباب الأعزّاء، إنّ حرّيّة يسوع مذهلة! لنسمح لها بأن تتردّد في داخلنا وأن تهزّنا وتولِّد فينا شجاعة الحقيقة. يمكننا أن نسأل أنفسنا: لو كنت هنا الآن، مكان بيلاطس أمام يسوع، أنظر إليه في عينيه، ما الأمور التي سأخجل منها؟ أمام حقيقة يسوع، أمام الحقيقة التي هي يسوع، ما هي أكاذيبي التي لا تصمد، وازدواجيّتي التي لا يحبّها؟ نحن بحاجة لأن نقف أمام يسوع لنجعل الحقيقة فينا. نحن بحاجة لأن نعبده لكي نصبح أحرارًا في داخلنا، لكي ننير حياتنا ولا نسمح بأن تخدعنا نزعات اللحظة، والألعاب الناريّة لاستهلاك يُبهر عيوننا ويشلُّنا. أيّها الأصدقاء، نحن لسنا هنا لكي نسمح لأمور الدنيا بأن تفتننا، وإنما لكي نمسك بيدنا بزمام أمور حياتنا، و”لكي ننهش الحياة”، ونعيشها بملئها!
وختم الأب الأقدس بالقول: وهكذا نجد في حرّيّة يسوع أيضًا الشجاعة لكي نسير عكس التيّار ليس ضدّ أحد، كما يفعل الذين يدّعون أنّهم ضحيّة أو المتآمرون الذين يلقون اللوم دائمًا على الآخرين، لا وإنما ضدّ التيّار غير السليم للـ”أنا” الأنانيّ، والمنغلق، والقاسي، لكي نضع أنفسنا على خُطى يسوع. هو يعلّمنا أن نقاوم الشرّ بقوّة الخير المتواضعة والوديعة فقط بدون مساومات وأكاذيب. إنّ عالمنا الذي تجرحه شرور عديدة لا يحتاج إلى المزيد من المساومات الغامضة وإلى أشخاص تتلاعب فيهم أمواج البحر، فيذهبون قليلًا إلى اليمين وقليلًا إلى اليسار بحثًا عمّا يتناسب معهم. لا، أيّها الشباب الأعزّاء! كونوا أحرارًا، وحقيقيّين، وكونوا الضمير التفاضلي للمجتمع. تحلّوا بشغف الحقيقة لكي تتمكّنوا من أن تقولوا بأحلامكم: إنّ حياتي ليست عبدة لمنطق هذا العالم لأنّني أملك مع يسوع من أجل العدالة، والمحبّة، والسلام! أتمنّى أن يشعر كلّ فرد منكم بفرح أن يقول: “مع يسوع، أنا أيضًا مَلِك”. أنا مَلِك: أنا علامة حيّة لمحبّة الله ورحمته وحنانه. أنا حالم بهرني نور الإنجيل، وأنظر برجاء في رؤى الليل. وعندما أسقط أجد في يسوع الشجاعة لكي أكافح وأرجو، والشجاعة لكي أحلم مجدّدًا في كل مراحل الحياة.
ترجمة: فاتيكان نيوز