ولد موسى ما بين 330 و340 في جنوب مصر.
كان أسود اللون، وقيل إنه من الأحباش أو قبائل البربر، فسُمّي “موسى الحبشي”.
انغمس في الرذائل إلى درجة طرده سيّده عندما كان عبدًا لشيخ قبيلة تعبد الشمس.
قام بالكثير من أعمال النهب والسطو والقتل، وأصبح رئيسًا لعصابة قطّاع طرق.
على الرغم من شروره، كان يخاطب الشمس كالإله الحقيقي، طالبًا أن يعرِّفه ذاته، فسمع صوتًا يرشده إلى البرّيّة للقاء رهبان “برّيّة شيهيت”، والتقى القديس إيسيذورس، قسّ القلالي، خارجًا من قلّايته ليذهب إلى الكنيسة، فارتعب من منظره.
عندئذٍ، سأله الشيخ: ماذا تريد يا أخي هنا؟ أجابه موسى: قد سمعت أنك عبد الله الصالح، ومن أجل هذا هربت، وأتيت إليك لكي يخلّصني الإله الذي خلّصك.
وطلب منه بإلحاح وخشوع، قائلًا: أريد أن أكون معك على الرغم من اقترافي خطايا عظيمة.
أخذ يسأله عن حياته، فاعترف له بكل ما صنع من شرور.
لمّا رأى إيسيذورس صراحته، أخذ يعلّمه ويعظه كثيرًا بكلام الله ويحدّثه عن الدينونة، وتركه يتأمّل في كلماته.
أخذ موسى يذرف الدموع الغزيرة إذ كره الشرّ وعزم على التخلّص منه، واجتاح الندم نفسه، فجاء إلى إيسيذورس، وركع أمامه، واعترف بصوتٍ عالٍ بشروره وجرائمه في انسحاق تامّ.
اصطحبه الأخير إلى الأنبا مقاريوس الذي وضعه تحت رعايته وأخذ يعلّمه ويرشده برفقٍ، ثمّ منحه نعمة العماد، وسلّمه إلى إيسيذورس لكي يتابع تعليمه.
بعدئذٍ، طلب موسى من إيسيذورس أن يصير راهبًا، فأخذ يشرح له متاعب حياة الرهبنة والبرّيّة ومحاربات الشياطين والاحتياجات الجسديّة، وقال له: الأفضل لك يا ابني أن تذهب إلى أرض مصر لتحيا هناك.
جاء قوله في سبيل اختبار موسى لكنه بعدما رأى ثباته وصدق نيّته، أرسله ثانية إلى القديس مقاريوس الكبير، أب البرّيّة.
اعترف موسى بكل خطاياه وقبائحه الماضية علانية في الكنيسة.
بعد ذلك، وعظه الأنبا مقاريوس، وأعاده إلى القسّ إيسيذورس الذي ألبسه إسكيم الرهبنة، وأوصاه قائلًا: اجلس يا ابني في هذه البرّيّة ولا تغادرها لأن كل الشرور تعود إليك في اليوم الذي تخرج فيه منها. لذلك، أقِمْ زمانك كله فيها، وأنا أؤمن بأن الله سيصنع معك رحمة ونعمة وسيسحق الشيطان تحت قدميك.
سكن موسى في بادئ الأمر مع الإخوة الرهبان، لكنه طلب من الأنبا مقاريوس مكانًا منعزلًا بسبب كثرة الزائرين، فأرشده إلى قلّاية منفردة حيث عاش مثابرًا على الجهاد الروحي.
وكان جهاده عظيمًا كتعويض كبير عمّا فاته نتيجة خطاياه وشروره الماضية. أخذ الشيطان يذكّره بعاداته المرذولة القديمة، لكن الأنبا إيسيذورس كان ينصحه بالثبات، ويشجّعه على تخطّي التجارب، فانكبّ على الصلاة والصوم وممارسة الإماتات.
رُسِمَ كاهنًا وعاش منكرًا ذاته.
منحه الله موهبة اجتراح المعجزات لحُبِّه وتواضعه وجهاده ونسكه.
جاء البربر إلى الدير، وألهمه الروح القدس بمجيئهم قبل وصولهم إذ أخبر الإخوة بقدومهم، وطلب إليهم أن يهربوا منهم.
سألوه عن نفسه، قائلين: وأنت ألا تهرب يا أبانا؟ فأجابهم موسى: منذ زمن طويل، أنتظر هذا اليوم لكي يتمّ قول السيّد المسيح: “من يأخذ بالسيف، بالسيف يُؤخَذ” (مت 26: 52).
حينئذٍ، قالوا له: نحن أيضًا لن نهرب بل نموت معك.
دخل البربر وقتلوهم، فنالوا إكليل الشهادة في آب 408.
تحتفل الكنيسة بعيد مار موسى الحبشي في 28 آب من كل عام، ويُعتبر أوّل شهيد في الإسقيط، وجسده محفوظ مع مرشده الروحي الأنبا إيسيذورس في دير البراموس.