إلسي كفوري خميس
ثمّة نخبة من الممثّلين تأسرنا بالحضور الطاغي والمحبّب. هؤلاء المبدعون يعيدون كتابة أدوارهم بمشاعرهم الإنسانيّة الصادقة، فنعبر معهم إلى عالم الشخصيّة التي يجسّدونها، ويعبرون بدورهم إلى كياننا.
من هذه الكوكبة المحترفة الفنّانة جوليا قصّار التي تُعتبَر مدرسةً في الأداء الصادق.
لها بصمة خاصة من خلال صهرها الموهبة والاحتراف والتعليم الأكاديمي في بوتقة التميّز. أثبتت، عبر أدوارها المتنوّعة وقدرتها على تجسيد شخصيّاتها بواقعيّة وإقناع، أنّها من قماشة نادرة.
هي أكثر من ممثّلة؛ ذاكرة من الفنّ والإبداع، ومصدر إلهام للطلاب الجدد.
في حوارنا معها، تتحدّث الفنّانة المتألقة جوليا قصّار لـ«قلم غار» عن مسيرتها الإيمانيّة والفنّية، وعن دورها المحوري في فيلم «نهاد الشامي: للإيمان علامة».

ملاكي الحارس يرافقني
تقول قصّار: «يمكن لحضور الربّ أن يتجلّى في كل لمسة جمال في هذا العالم، وفي كل لحظات حياتنا. كل الأمور الجميلة المحيطة بنا أفعال خير عظيم، من الطبيعة، إلى الناس الطيّبين».
وتضيف: «أشعر بلمسة إلهيّة في كل عمل خيّر، وفي كل اكتشاف علمي، حتى في الأعمال الفنّية الخالدة. أصحاب المواهب يخرجون من الإطار الأرضي لأنّ إلهامهم يكون وحيًا إلهيًّا ساميًا. عندما يقدّم كل شخص في مضماره، سواء أكان طبيبًا أم كاتبًا أم أستاذًا أم ممثّلًا، أفضل ما لديه، حينها يتجلّى الربّ فيه».
تؤكد قصّار أنّ تخطّي الصعوبات يمكن أن يكون من خلال «الصلاة، والتحلّي بالإيمان، والرجاء، والصبر». وتردف: «التجارب الصعبة تسمح لنا باكتشاف أمور لم نكن ندركها. المعرفة تنبع أحيانًا كثيرة من جرّاء المعاناة والصعوبات وكثرة الاختبارات. أمّا الصلاة، فتعطينا الزخم والقوّة لكي نستمر، ونواجه التحدّيات، ونتّخذ القرارات من دون تردّد وحيرة. عندما نكون في حالة تأمّلية، نشعر بالصفاء والهدوء والقوّة». وتتابع: «أشعر دومًا بأنّ ملاكي الحارس يرافقني. قد لا أكون ملتزمة بالذهاب إلى الكنيسة، لكن لا يمضي يوم إلا وأشكر الربّ على هباته».

حماة الشامي… وأمّ مار شربل
عن دورها في فيلم «نهاد الشامي: للإيمان علامة»، تخبر قصّار أنّها تجسّد شخصيّة حنّة وهي حماة نهاد الشامي. وتروي قائلة: «ساهمت حنّة في تربية زوجة ابنها الصغيرة في السنّ. هي امرأة قاسية جدًّا. ربّما جعلت هذه الصفة نهاد الشامي تمرّ بتجارب كثيرة أنضجت شخصيّتها، وخلقت فيها القوّة. على الرغم من قساوة حنّة، فإنّها تغيّرت أمام صلابة إيمان الشامي التي استطاعت تغيير المحيطين بها».
في ما يتعلّق بالإضافة التي تركتها تلك المشاركة على الصعيد الروحي، تجيب: «شخصيّة حنّة استفزّتني، ورغبت في تجسيدها، على الرغم من أنّ كثيرين سيكرهونني في أداء هذا الدور. لكن الممثّل يدافع دومًا عن شخصيّاته، ويصبح متعاطفًا معها، ويجد لها المبرّرات».
تصف هذه التجربة بأنّها جميلة جدًّا. وتضيف: «الفيلم جمعني مع المخرج سمير حبشي الذي تعاونت معه في عملين سابقين، وكان يرغب في أن أؤدّي هذا الدور. عندما قرأت النص، شعرت بالحماس لتجسيده، بخاصة أنّ الممثّلين في العمل من خرّيجي كلّية الفنون أو ما زالوا طلابًا فيها، مثل ميليسا عزيز، فضلًا عن وجود أسماء معروفة، على سبيل المثال يورغو شلهوب ومايا يمّين».
تشير قصّار إلى أنّ التصوير تمّ في منزل الشامي، لكن الفرصة لم تتسنَّ لها لكي تتعرّف عليها شخصيًّا بحكم التزاماتها.
وتعبّر عن حبّها للقديس شربل، قائلة: «هو شفيعي، وأعتبر نفسي محظيّة في لعب دور والدته عام 2009 في فيلم “شربل” الذي يحكي قصّة حياته. بحكم هذا الدور، عندما أطلب منه شيئًا، بتُّ أناديه: “أنا أمّك ردّ عليّ”».

نجاح متجدّد
تخبر قصّار عن بداياتها، فكانت تحبّ الرقص والموسيقى اللذين جعلاها تتّجه إلى المسرح والتمثيل لأنّ التعبير عن كل شيء جميل ممكن من خلالهما، كما تقول. وتضيف: «كنت أرى من يرقص كأنّه يتخلّى عن وزنه، فيرتفع عن الأرض ليحلّق في السماء كالطير أو الفراشة؛ أبهرتني هذه المشهديّة».
تتابع: «كنت محظيّة بأنّني تعاملت مع ألمع الأسماء في عالم التمثيل. كانت مسيرتهم مثالًا يحتذى به، وكانوا قدوةً لي. عملي معهم حلم تحقّق».
تشدّد قصّار على أنّها لم تنقطع عن الأعمال التلفزيونيّة، بل تشير إلى عوامل عدّة جعلتها مقلّة بالدراما. تشرح قائلة: «التضارب مع مهنة تعليم التمثيل في كلّية الفنون الجميلة قلّل من إطلالاتي على الشاشة الصغيرة، لكن وجودي برز أكثر ضمن الأعمال السينمائيّة وتقديم بعض البرامج، فضلًا عن أعمال أخرى لم تبصر النور بعد. كما أنّ النص الجيّد هو الحافز الأوّل لقبول الدور، إلى جانب فريق العمل».
عن دورها المفضّل، تقول: «نحن لا نتغيّر في كل الأدوار التي نلعبها، بل نبحث عن دور مختلف عنا. شخصيّة حنّة التي جسّدتها في فيلم “نهاد الشامي: للإيمان علامة” بعيدة جدًّا عنّي لكنني أحببت تأدية دورها».
وتستطرد: «من الجميل، في لعبة التمثيل، أن يُنسي الممثّل الناس شخصيّته ويجذبهم إلى الشخصيّة التي يتقمّصها. بعض المواقف الإنسانيّة والمشاعر يجعل الناس يتماهون مع الشخصيّات لأنّها تشبههم. أفضّل الأدوار التي تُشعر الناس بأنّهم يشبهون شخصيّاتها. بقدر ما نحاكي الواقع، نكون أقرب إلى الناس».
بالنسبة إلى قصّار، ما من عمل معيّن شكّل ذروة النجاح. تردف: «كثيرة هي الأعمال التي وجدت فيها وميض ضوء، سواء أكان في المسرح أم السينما أم التلفزيون. تراكم النجاح مهمّ جدًّا والاستمراريّة صعبة. النجاح لا يمكن أن يتوقف أو يقتصر على عمل معيّن».

«بالدم» وقيمة العائلة
تقول قصّار عن مسلسل «بالدم» الذي تصدّر الأعمال التلفزيونيّة في الوقت الراهن: «يشمل المسلسل قصصًا عدّة مترابطة ومتشابكة. الكاتبة ندين جابر استلهمت شخصيّات عدّة من الواقع في لبنان، وأعطت المسلسل أبعادًا إنسانيّة، مع التركيز على أهمّية العائلة وقيمتها». وتعد قصّار بالمزيد من المفاجآت والتشويق في الحلقات المتبقيّة منه.
تختم قصّار حديثها عبر «قلم غار» بشكر الله على كل شيء، حتى على «الصعاب التي لا نتقبّلها». وتخلص إلى القول: «حين أفكّر بالأمور الجميلة التي وهبني إيّاها الربّ، لا يمكن إلا أن أحمده كل يوم».
———————————————————-
«قلم غار» موقع رائد في كتابة شهادات الحياة الملهمة، ينقل اختبارات مؤمنين رُصّعت حياتهم بانتصارات مكلّلة بالغار، ويتناول أخبار الكنيسة الجامعة، مع إضاءات حصريّة وموثّقة وموثوقة ووافية وآنيّة. تخطّى حدود الوطن إلى العالميّة. نال بركتين روحيّتين: أبويّة وحبريّة.
يسعى موقعنا منذ انطلاقته، ولا سيّما في النقلة النوعيّة التي جعلته يحتلّ المراتب الأولى في التغطيات الحصريّة عام 2024، إلى إعلاء صوت مسيحيي الشرق المتألمين وإيصال البشرى حتى أقاصي الأرض.
———————————————————-