إلسي كفوري خميس
مؤمنة إلى أقصى الحدود. تصف إيمانها بـ«حزام ناسف» تتسلّح به أو «قلعة محصّنة منيعة». سرّها التواضع والعفويّة، والصدق ميزتها. أمّا الشهرة، فلا تعنيها.
خاضت مجال التمثيل على مدى 56 عامًا. لم تختر هذه المهنة إنّما هي اختارتها. فوالدها الممثّل الراحل عبده نمري أو «شرنّو»، ووالدتها الممثّلة الراحلة علياء نمري صقلا فيها تلك الموهبة. فكانت بداياتها على خشبة المسرح في السادسة من عمرها.
مسيرتها الفنّية غنيّة بالعطاء والحبّ. شاركت في الكثير من الأفلام السينمائيّة والمسلسلات التلفزيونيّة والمسرحيّات. وقفت إلى جانب أسماء فنّانين كبار أمثال إبراهيم مرعشلي وهند أبي اللمع وأبو ملحم وغيرهم. قدّمت المونولوج. واشتهرت بالأدوار الكوميديّة الصرف، فهي «عفيفة» في مسلسل «المعلّمة والأستاذ» و«لبيبة» في مسلسل «مش ظابطة»، وهي أيضًا «الزعيمة حكيمة» في مسلسل «للموت 2» الذي أدّت فيه دور سيّدة منغمسة في الاتجار بالبشر واستغلال الأطفال، وقد حظيت حينها بثناء واسع لبراعتها في الانتقال من الكوميديا إلى الشرّ وإتقان الشخصيّة بشكل لافت.
تعرّضت للتنمّر والإساءات، آخرها حين أطلّت بفستان زفاف في المسلسل السعودي «كرمال الولد»، لكنّها بقيت ثابتة بفضل إيمانها القوي، لا تستسلم لأنّها تحبّ مهنتها، وتترك للربّ تدبير حياتها وردّ اعتبارها. شعارها الوحيد في الحياة «الحمد لله على كل نعمة».
إنّها الممثّلة القديرة ليليان نمري التي تشارك «قلم غار» مسيرتها المفعمة بمحبّة الله ومخافته.

الاعتزال لخدمة الربّ
تعيش ليليان نمري في صراع قديم، وتخبر عن فكرة اعتزالها الفنّ، قائلة: «لطالما راودتني تلك الفكرة لكي أصبح أكثر التزامًا في خدمة الربّ. البعض يفهم الالتزام بالمواظبة على ممارسة الشعائر الدينيّة وزيارة الكنيسة، إنّما هناك أشرار يزورون الأماكن المقدّسة أيضًا. الاعتزال هاجسي منذ زمن، ولكن بما أنّني لا أملك مهنة أخرى أعتاش منها، ولا أقدّم من خلال أعمالي الفنّية أمورًا مسيئة للدين والأخلاق، استمررت في هذا النهج، وأحمد الله على هذه النعمة. المهمّ لديّ ألا أُخالف إرادة الربّ من خلال أعمالي، فهو يتجلّى في كل دقيقة من حياتي».

حضور الله في الشدّة
عاشت نمري تجاربَ كثيرة وصعبة لمست من خلالها وجود الربّ في حياتها. تقول: «كان الله يتدخل في الوقت المناسب وينتشلني من ضيقي». تصف علاقتها مع الربّ بالمميّزة جدًّا: «أتحدّث معه كأنّه صديقي وأبي وأخي. أعاتبه وأتشاجر معه. وأحيانًا كثيرة أقف أمام شبّاكي أسأله: أين أنت؟».
وتضيف: «على عكس اعتقاد الناس، حياة الفنّان ليست سهلة ولا راحة بال فيها دائمًا، فالفنّان يعيش أيضًا في وطن حزين ولا يحصل على أدنى حقوقه». كانت تلك الصعوبات بالنسبة لها عاملًا مساعدًا لتلمس دور الله في حياتها إذ تقول: «الإنسان لا يستطيع اختبار حضور الربّ إن لم يمرّ بأيّام عصيبة أو بضائقة معيّنة».
عن أيّامها الصعبة تتحدّث: «كنت مسؤولة عن والدتي ووالدي حين مرضا وأمضيت فترة من دون عمل، وكنت في ضائقة ماليّة ومجبرة على تأمين الدواء والغذاء لهما لأنّ الدولة غائبة عن كبار السنّ ولا ضمان شيخوخة في بلدنا. ضحّيت كثيرًا، ورفضت عروضًا جمّة في الخارج لأنّني لا أريد أن أترك أهلي، فكنت أطلب دومًا من الربّ أن يلهمني بما عليَّ فعله. عملت في خياطة الأعلام والأشغال اليدويّة. كان الربّ يلهمني ويدبّر شؤوني ويفتح طريقي دومًا».
تقوى الوالدين ومخافة الله
كان الإيمان والتقوى مزروعَيْن في بيت ليليان نمري. تخبر: «والداي كانا مؤمنَيْن جدًّا، وقد كلّلت مدخل منزلنا الآية الآتية: “رأس الحكمة مخافة الربّ (مز 111: 10)”، فكانا يعيشان بحسبها». تسعى نمري دومًا إلى العمل وفق مشيئة والدتها الراحلة، وتحضرها كلماتها: «افعلي ما يحلو لكِ، لكن إيّاكِ وغضب الربّ».
طبيعيّة في حياتها. «بيتوتيّة» بطبعها. بعيدة كل البعد عن المظاهر. تردف: «لا أحبّ السهر والخروج من المنزل، والتسوّق آخر اهتماماتي». بثقة وضمير مرتاح، تؤكد أنّها لم تعرف بحياتها الأذيّة، قائلة: «تربّيت ببيتٍ تعلّمت فيه أن أصنع كنزًا لي في السماء».
لم تسعَ إلى الشهرة لأنّها وُلِدَت مشهورة. تتابع: «هدفي في الحياة ليس الشهرة. وهي لم تغيّرني بتاتًا، لكن في بعض الأحيان، الناس يعتقدون ذلك، إنّما الظروف الصعبة أو المعاملة السيّئة في العمل أو بعض الأشخاص الذين نصادفهم بحياتنا، أمور قد تغيّرنا. ولكن على الرغم من كل تلك الأشياء، أنا لم أتغيّر لأنّني أؤمن بأنّ الفنّان يجب أن يبقى على حقيقته كما هو».

مواجهة التنمّر والإساءة
تعرّضت ليليان نمري للتنمّر والإساءة والتجريح، لكنّها تترك التدبير لله. «لا أردّ الإساءة بالمثل إنّما أدير ظهري وأبتعد. وفي النهاية، الربّ سيأخذ لي حقّي». تستذكر هنا كلمات والدتها «عليا» التي كانت دائمًا تقول لها: «يلّي ما بتقدري عليه، ديري الله عليه».
تُخبر نمري أنّ الربّ هو ملاذها لدى تعرّضها للتنمّر بسبب الوزن الزائد. وتشرح: «في البداية، كنت أتأثر كثيرًا لأنّني لا أسمح لنفسي بأن أتنمّر على أحد. تعلّمت أن أحترم جميع الناس، مهما كان شكلهم أو مظهرهم أو طائفتهم أو بلدهم. البدانة مرض وليست شراهة على الطعام فحسب. وما زلت أعاني حتى اليوم من هذا المرض الذي أصابني نتيجة مشكلة صحّية واجهتها منذ الصغر». وتضيف: «التنمّر لم يعد يعني لي شيئًا، لكن ما يؤذيني أكثر هو الافتراء والكذب وهما من صفات الشيطان. كل إنسان قادر على الأذيّة وأنا كذلك، لكن ما يمنعني هو ضميري، فالشماتة هي ضد الدين، وما زاد من إيماني أضعافًا رؤية عدالة الله تتحقق في الأشخاص الذين آذوني».

بين «تفاحة» و«الزعيمة حكيمة»
بين الأدوار الخيّرة والشريرة، تجد نمري نفسها في الأولى لكنّها تستطرد لتقول: «أحيانًا، نضطرّ للعب أدوار الشرّ لإيصال رسائل معيّنة. فدوري “الزعيمة حكيمة” حمل رسالة متعلّقة بوجود الشرّ في الحياة، ومفادها أنّ الشرير سينال عقابه في النهاية وأن الخير سينتصر».
تُخبر نمري أنّها صُدِمَت عندما قرأت نصّ المسلسل ودورها، واستغربت وجود مثل هؤلاء الأشخاص في الواقع. أمّا الدور الأحبّ إلى قلبها، فهو «تفاحة» في مسلسل «ما فيّي». تقول: «تفاحة تشبهني كثيرًا في صفاتها، فهي امرأة طيّبة، تهتمّ بالفتيات الصغيرات اللواتي يقصدنها، وتحميهن من الشرّ».
وتختم نمري اختبارها عبر «قلم غار» بشكر الله على كل نعمة وهبها إيّاها، وعلى كل شيء حققته على الرغم من كثرة المطبّات والعثرات، وبِحَمْدِه على محبّة الناس ورضا والديها. لا تطلب شيئًا من هذه الحياة سوى رضا الربّ و«السترة في الآخرة». وتجزم قائلة: «أعلم أن الربّ لن يتركني، وسيبقى إلى جانبي حتى آخر لحظات حياتي. إيماني ثابت فيه واتكالي دومًا عليه، فهو سيّد حياتي وخلاصي الوحيد. وطالما توكّلت عليه فهو لن يخذلني أو يتركني».