إلسي كفوري خميس
مختلفة عمّا نسمعه أو نراه على الساحة الفنّية. لا تشبه «الترند»، بل تنحاز إلى الفنّ الراقي الأنيق ورسالته السامية البعيدة عن الابتذال. تسبّح الله بصوتها الشفاف الذي يكتسي رداءً روحيًّا سماويًّا وبإحساسها العميق والمرهف.
غناؤها الملتزم بالرقي يعود إلى نشأة بيتيّة، تشرّبت من خلالها الأسرة برمّتها الفنّ والموسيقى من الوالد، الذوّاق الأوّل. هم خمس بنات وأربعة شباب يتقاسمون الصوت الجميل والمعرفة الموسيقيّة.
هي واحدة من البنات الخمس اللواتي نهلنَ، منذ الصغر، من مخزونٍ موسيقي دسم أمثال فيروز، الرحابنة، أمّ كلثوم، وغيرهم من العظماء إلا أنّها لا تحبّ أن تحصر نفسها في قالب جامد أو إطار موسيقي محدّد، فهي تعشق تذوُّق أنماط عدّة منها الطربي، والشعبي، والفولكلور، والموشّحات، وأيضًا الجاز.
تُعرَف بسفيرة الغناء السرياني. وقد أصدرت ألبومًا غنائيًّا باللغة السريانيّة بعنوان «أحلام ملوّنة»، إضافةً إلى عددٍ من الأغنيات والترانيم الخاصة. هي ليست فقط مغنّية ومرنّمة بل كاتبة وملحّنة. وهي أيضًا إعلاميّة وباحثة ومحاضرة، وخاضت الانتخابات النيابيّة عن المقعد الماروني في البترون في العام 2022، فضلًا عن كونها أمًّا لخمسة أولاد.
إنّها الفنّانة ليال نعمة التي تشهد عبر «قلم غار» للربّ يسوع وتشاركنا مسيرتها الممتلئة بالإيمان والمحبّة.
التزام ديني ومحبّة
لا تعرف نعمة الحياة بعيدًا من الله، فهو -بالنسبة إليها- موجود دائمًا ويتجلّى في كل دقيقة. تقول: «لا يمكن أن تكون حياتي من دون الله، ولا يمكن أن أرى نفسي بعيدة عنه. أراه في الناس الذين ألتقي بهم. أراه في عائلتي، في القربان المقدّس. وأستمدّ القوّة منه في لحظات ضعفي».
تُعَرِّفُ عن نفسها بأنّها إنسانة مؤمنة وملتزمة كنسيًّا منذ نعومة أظفارها. وتحمد الله على كونها لم تبتعد عنه يومًا أو تشكّ بوجوده. وتضيف: «منذ الصغر، اعتدنا كعائلة المواظبة على الصلاة والقداديس، لكن الأهم من الالتزام الروتيني بممارسة الطقوس الدينيّة هي المحبّة. يسوع هو حبٌّ بحدّ ذاته وفي الوقت نفسه هو الحرّية، وكل شيء في الحياة يتمحور حوله. هذا الحبّ الحرّ يرفعنا نحو الأعلى ولا يكبّلنا… وأنا أرى كل شيء جميلًا لأنّني أحبّ. فمن ليس في قلبه السلام والحبّ اللذين يأتيان مباشرةً من يسوع، لن يرى الأمور الجميلة».
ترنيمة من رحم الألم
في أعمالها الفنّية، غالبًا ما تستلهم نعمة من المحن واللحظات الصعبة التي تعيشها وتلتمس من خلالها وجود الربّ. وتخبر كيف وُلِدَت ترنيمة «جراحك يا ابني» العام الماضي من رحم معاناتها.
فتقول: «كان يومها اثنين الرماد، وكنت قد شاركت في القداس صباحًا قبل أن أسمع بخبر تعرُّض ابنتي كلارا لحادث كبير أدّى إلى كسر في وركها، في أثناء ممارستها هواية التزلّج. شعرت حينها بالانكسار… على الرغم من ذلك، لم أسأل الربّ: لماذا وقع هذا الحادث؟ إنّما شكرته على حمايتها، واستنبطت من الألم الذي عشته كلمات ترنيمة “جراحك يا ابني”، سائلة نفسي عن إحساس مريم العذراء عندما رأت ابنها يتعذّب ويُصلَب، في وقتٍ شعرت بأنّ قلبي ينفطر على ابنتي».
وتتابع: «الترنيمة لحّنتها كلارا، وكانت أوّل تجربة لها في التلحين ومن أجمل التراتيل التي أنشدتها».
نعمة السلام الداخلي
في قلبها سلامٌ داخلي يساعدها على تخطّي الصعوبات والتحدّيات التي قد يواجهها الإنسان، سواء أكان على الصعيد الشخصي أم الوطني. لا ترى نعمة في الأزمات التي مرّت على لبنان سوادًا بل «غيمة عابرة لأنّ الأمل والرجاء موجودان دومًا». وتتابع: «لا يمكن أن ننسى جريمة 4 آب والظروف القاسية في لبنان، والتي أثّرت علينا جميعًا، لكن الإيمان هو ما يجعلنا نقوى ونستمر. على الرغم من كل شيء، لم أشعر يومًا بالإحباط أو الكآبة لأنّني أعيش في سلام داخلي إلا أنّ ذلك لا يعني أنّني لم أمرّ بلحظات ضعف دفعتني إلى التفكير يومًا ما في اتخاذ قرار مصيري بمغادرة البلاد مع عائلتي».
وتستطرد قائلة: «أحيانًا كثيرة، تلك اللحظات الصعبة تلهمني في عملي الفنّي والموسيقي. ومن كورونا، اغتنمت الفرصة لأمضي وقتًا أكثر مع عائلتي، فأنا أرى الأمور من الناحية الإيجابيّة».
تسلُّح بالإيمان وإرادة العمل
تشهد نعمة للربّ من خلال حياتها الفنّية والعمليّة، وهي ليست بعيدة عن العمل الإنساني والاجتماعي. تعتبر أنّ عامل الوقت مهم جدًّا، موضحة: «الوقت الذي منحنا إيّاه الله ثمين، وأحاول أن أستفيد منه وأفيد الآخرين قدر المستطاع. هذا مبدأي في الحياة، ودافعي إلى العمل بلا كلل أو ملل ومن دون تأفّف».
أمّا بالنسبة إلى تعاطيها مع الآخرين، فتقول نعمة: «أنا شخص مسالم، أنسى غالبًا الأذيّة على الرغم من أنّ بعض المواقف يتطلّب الصرامة والحزم. لكننا أحيانًا كثيرة نضطرّ لمواجهة الشرّ الموجود حولنا، والمتمثل في كل هذا الدمار والإجرام والبغض والحقد والفساد. فنحن نعيش في حرب دائمة ويجب أن نحمي أنفسنا نفسيًّا وفكريًّا وروحيًّا وجسديًّا. الأمر ليس سهلًا. لذلك، أرى وجوب الالتزام بالإيمان والصلاة لكي يحمينا الله ويحمي عائلاتنا. إنّما يجب ألا نكتفي بالصلاة بل علينا العمل والتسلّح بالإرادة والنشاط كي نترك بصمة في حياتنا وحياة الآخرين».
الشهرة وطريق الربّ
الشهرة ليست هدفها وليست حكمًا طريقًا يبعدها عن الربّ، كما تقول. وتردف: «الشهرة حتمًا خطرة لكن هناك أيضًا في الحياة انكسارات ولحظات ضعف قد تحطّمنا وتبعدنا عن الربّ. المهمّ أن نحصّن أنفسنا. لم أسعَ يومًا إلى الشهرة، إنّما شهرتي هي نتيجة للجهد الذي أبذله والأعمال التي أقدّمها. أمّا التكبّر فهو يحرق صاحبه. الله أعطاني نعمة، وأنا من واجبي أن أستثمرها في الطريق الصحيح، مع كل ما أملك من نقاط قوّة كخبرتي وعِلمي».
تعتبر نعمة أنّ صوتها نعمة من الربّ وهبها إيّاها، فلا يمكن إلا أن تسبّحه من خلال الترنيم، “مصدر السلام”. في جعبتها الكثير من الترانيم الخاصة، ولعلّ آخرها ترنيمة “إسطفان الرائد” بمناسبة تطويب البطريرك إسطفان الدويهي الذي تعتبره من أهمّ البطاركة والمثقفين في الكنيسة المارونيّة. وتقول: «أدّينا العمل بدقة لكي يليق بالحدث، فالبطريرك الدويهي يعني لي الكثير كقيمة إنسانيّة وروحيّة، وكان يتمتّع بالصلابة في الإيمان والصمود في زمن الاضطهاد».
أحلام لا حدود لها لكن..
عن أحلامها تتحدّث نعمة بحسرة: «حدودي السماء، لكن للأسف ما نعيشه لا يسمح لنا أحيانًا بالتفكير في المستقبل. وغالبًا ما تكبّلنا الظروف وتغيّر خططنا ولا تسمح بتحقيق ما نربو إليه. أحاول أن أعيش اللحظة وأتمّم أعمالي بكل مسؤوليّة وحبّ».
وتؤكد أنّ فكرة التحضير لعمل مشترك جديد يجمع عائلة نعمة موجودة، لكن التوقيت غير محدّد بعد.
وتختم نعمة شهادتها عبر «قلم غار» بشكر الله على كل شيء وكل لحظة من حياتها، وعلى عائلتها وأولادها وزوجها، وعلى كل إنسان موجود بجانبها من أصدقاء وداعمين ومحبّين. وتحمد الربّ على نعمة الحياة والمحبّة.