إيلين زغيب عيسى
تنفّس اللبنانيّون الصعداء عند الرابعة من فجر الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024، مع دخول وقف النار حيّز التنفيذ. الخسائر كبيرة: 3800 شخص فقدوا حياتهم، 16 ألفًا أصيبوا بجروح، دمار هائل في بيروت والجنوب والبقاع، وقرى وبلدات حدوديّة محتلّة ومدمّرة عن بكرة أبيها. على الرغم من ذلك، عاد الأمل إلى القلوب مع عودة البلد إلى الحياة، ولو بحذر وغصّة. فهل تكون هذه الهدنة فرصة لإعادة بناء لبنان من جديد على أسس ثابتة، يكون فيها القانون هو السائد، والدولة هي الوحيدة التي تبسط سلطتها، علّنا ننقذ الأجيال المقبلة، لمرّة واحدة وأخيرة؟
كم من حروب مرّت على لبنان، وكان في كل مرّة يقوم من بين الرماد. وهذه المرّة أيضًا هناك يدٌ تحمينا، وسماء تجمعنا وتحرسنا. وربّما ليس من باب المصادفة أن تكون حرب تمّوز 2006 قد انتهت في 14 آب، ليلة عيد انتقال السيّدة العذراء، وحرب 2024 وضعت أوزارها بالتزامن مع تذكار سيّدة الأيقونة العجائبيّة. فلبنان الرسالة بتنوّعه الطائفي وتعايش أبنائه سيبقى منارة للتنوّع، إذا تمكّن أهله من نفض دخان الحروب، وبناء الدولة الحقيقيّة القويّة. وقد أشار البابا فرنسيس إلى أنّ هذه الرسالة هي الآن رسالة معذّبة، وهذا يجب أن ينتهي.
في أيّ حال، ليس توقّف الغارات والقصف كافيًا لكي نحظى بالسلام. فأمام اللبنانيين والمسؤولين فيه مهام كثيرة يفترض إنجازها. وأوّل هذه المهام انتخاب رئيس للجمهوريّة، يقود مسيرة الإنقاذ. ولطالما أشار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إلى أنّ الدولة بلا رئيس هي كالجسد بلا رأس. لذا تمنّى البطريرك ديمومة وقف النار، وأن تعود الدولة إلى حكم الدستور، ولا شيء سواه.
أمّا الحكومة اللبنانيّة التي وافقت على اتّفاق وقف النار، فتتحمّل مسؤوليّة كبرى في تنفيذ بنوده. وعليها أن تدعم الجيش اللبناني وتجهّزه بالعتاد والرجال من أجل أن يمسك السلطة في الجنوب، ويضمن انسحاب القوات الإسرائيليّة من كل الأراضي المحتلّة. وتكمن الصعوبة الكبرى في قدرة السياسيين على الوصول إلى تفاهم حول السلاح، بمعنى أن لا يكون هناك سلاح في لبنان إلا بإمرة الدولة التي ستواجه أيضًا تحدّي ضبط الحدود على المدى البعيد.
أمّا التحدّي الإنساني الآخر، فهو بلسمة الجراح، وإعادة إعمار ما تهدّم. ففي الجنوب قرى لم يبقَ فيها حجر على حجر، ومنها قرى مسيحيّة اضطرّت لدفع ثمن حرب لا تريدها في الأساس. ومن هذه القرى علما الشعب والقوزح. وفيما صمدت بلدة رميش بقسم من أهاليها، تهجّرت قرى مسيحيّة أخرى كإبل وعين دبل وسواهما. وهذه القرى لن يعود أهلها قبل انسحاب القوات الإسرائيليّة وإعادة الإعمار. ولن تكون هناك إعادة إعمار، ما لم يلتزم لبنان تنفيذ بنود الاتفاق بحذافيره، وبسط سلطة الدولة فعلًا لا قولًا هذه المرّة.