لارا المغاريقي
أمضيتُ مرحلةً طويلةً من عمري في البحث عن سعادة مزيّفة وطمأنينة موقّتة. كانت تجتاحني مشاعر وأفكار تلوّث روحي وعقلي وقلبي. كنتُ أصلّي!؟ نعم، الصلاة رافقتني في كل مراحل حياتي. لكن، كيف كانت صلاتي؟ هل كنتُ أتحدّث مع الربّ وأسمعه!؟ هل كنتُ أثق به وبمشروعه لحياتي؟

عناق الألم
مع مرور الأيّام والخبرات والتجارب، اتّضح لي أنّني كنتُ أكلّمه من دون أن أصغي إليه… إلى أن أُصيب والدي الياس، منذ خمسة عشر عامًا، بداء السرطان. كنتُ أتألّم وقلبي يخفق دموعًا حين أرى عذابه، وأنا عاجزة عن تخفيف أوجاعه. في تلك الآونة، بدأت مرحلة جديدة في حياتي.
عندما اختبرتُ هذا الألم، أدركتُ أنّ علاقتي مع الربّ لم تكن صلبة. لم تكن مبنيّة على الثقة، ولم أكن أرتوي من كلمته، بل كنتُ في بحثٍ دائمٍ عن الراحة الأرضيّة.

الربّ يسكب سلامه
حين عانقني هذا الاختبار الأليم، تعلّمتُ الإصغاء إلى الربّ، والسماح له بأن «يعمل» في حياتي. تعلّمتُ كيف أسكبُ سلامه في قلبي. وتعلّمتُ أيضًا كيف أكلّمه! تغيّرت حياتي عندما تبدّل أسلوب حواري مع الربّ. تعلّمتُ كيف أطلبُ منه، والأهمّ كيف أصغي إليه. تعلّمتُ أن أطلب سلامه أوّلًا لأنّني صرتُ واثقة، بعد كل ما مررتُ به في حياتي، بأنّ سلام الربّ هو القوّة الحقيقيّة التي نحتاجها. فهو الذي يمنحنا نعمة القبول: قبول الألم والخسارة وغياب من نحبّهم! وسلام الربّ يعطينا نعمة أنّ نكون حاضرين لكلّ ما يصيبنا أو يصيب من نحبّهم.

المصالحة مع الجراح
مع هذا التحوّل الجذري في حياتي، بقيتُ أنا على حالي… لم أَدَّعِ الكمال يومًا، ولا القداسة! ما زلتُ أرتكب الأخطاء والخطايا، وأحيانًا أشعر بأنّني أجرح الربّ. لكنّني أصبحتُ واثقة بأنّ الله يحبّني كما أنا: يحبّني بضعفي، بأخطائي، بجراحي … أعده دومًا بأنّني سأحاول، قدر المستطاع، أن أصلح أو أغيّر ما يحزنه. أحيانًا أنجح، وأحيانًا أخرى أفشل. لكن، مع الربّ، تعلّمتُ ألا أقسو على نفسي، ولا على روحي وقلبي وعقلي. تعلّمتُ أن أتصالح معه ومع نفسي، ومع كل نعمةٍ وهبني إيّاها، كما تصالحتُ مع كل جرحٍ مزّق حياتي.

تحوُّل وقوّة
هذه المرحلة لم تكن سوى البداية! عندما حوّلتُ «لماذا يا ربّ؟» إلى «ما الذي تريدني أن أتعلّمه يا ربّ؟»، بتُّ أعيش بسلامٍ أكثر من الماضي. هذا السلام لا يعني أنّ حياتي صارت خالية من المصائب والهموم، لكنّه يمدّني بالقوّة، حتى عندما أشعرُ بالتعب أو بالضعف أو حتى بالخوف، هذا السلام يجعلني أستمرّ، على الرغم من كل شيء!

الحياة تمتحنني
شاءت الحياة أن تمتحن إيماني مرّة ثانية! هذه المرّة من خلال أمّي حياة! فهي أيضًا أُصيبت بداء السرطان منذ خمس سنوات، وانتقلت إلى أحضان الربّ منذ سنتين وأربعة أشهر. لم أسأل الربّ: «لماذا؟»… لكنّني توسّلت إليه أن لا يغيب نظره عنّي. ساندني طوال فترة مرض أمّي. كان يعزّي قلبي المثخن بالجراح من خلال الطمأنينة التي روى بها قلبي؛ احتضن خوفي وقلقي، وحضّرني لغياب أمّي، أصعب تجارب حياتي.

جرعات الحبّ وسباق القلب
أشعر كأنّ الكون كلّه خالٍ بغيابها. مع هذا الألم الذي يمزّق روحي أحيانًا، لا أكفّ عن شكر الله. أحمده على كل نعمة أفاضها عليَّ، وبخاصة نعمة الكتابة. فمنذ طفولتي والقلم يرافقني، وشغفي للكتابة ترجمته أيضًا من خلال تخصّصي الجامعي وهو الإعلام. منذ أربع سنوات تقريبًا، نشرتُ كتابي الأوّل بعنوان «من قلبي». في داخلي امرأةٌ تعيش وتكتب وتعمل وتحبّ وتصلّي… من قلبها.
نعمة الكتابة تحوّلت أيضًا إلى جرعات حبٍّ عبقت في أرجاء العالم كلّه. فقد أسّستُ صفحة «جرعة حبّ» على مواقع التواصل الاجتماعي. شكري وامتناني للربّ لا يكفيان مقابل الحبّ والتفاعل الناتجين عن هذه الصفحة. لأنّ قلبي يسبق قلمي، أصبحت جرعات الحبّ تلامس قلوب الناس. كذلك، وعدتُ نفسي بأن تكون رسالتي في الحياة نشر المحبّة والسلام.
أنقل هذه الرسالة من خلال صفحتي وبرنامجي التلفزيوني. هذه النعمة تمدّني بالقوّة عندما أضعف، وتزوّدني بالحكمة حين تشرد أفكاري، وتبعث في قلبي سلامًا، على الرغم من مصاعب الحياة وهمومها.

زوّادة الأهل
صحيح أنّ الحياة دلّلتني كثيرًا منذ أن أبصرتُ النور، فقد ولدتُ وتربّيتُ في عائلةٍ شكّل الحبّ والتسامح ركيزتيها. كنت الفتاة المدلّلة عند والدي الذي علّمني الاتكال على النفس والنهوض بعد السقطات. وكانت أمّي تمدّني بالقوّة والحنان معًا، كأنّها علمت بأنّني سأمضي أيّامًا من عمري وهما بعيدان عنّي بالجسد، لكنّهما قريبان جدًّا بروحيهما وبصلاتهما اللتين ترافقانني دائمًا في كل مراحل حياتي.
قد تبدو الحياة أحيانًا غير منصفة، لكنّني تعلّمتُ أن أوجّه نظري نحو النِعَم في حياتي وأشكر الله عليها. وتعلّمتُ أيضًا ألا أصبّ تركيزي على الصليب فحسب، بل على المسيح القائم من بين الأموات.
