الأب جورج بريدي
«كيف يمكنني إغلاق بيت الله؟»
هذه كانت كلمات الأب رغيد كني قبل استشهاده في 3 حزيران 2007، بعدما دخل عليه الإرهابيّون عند انتهائه من القدّاس الإلهي يومها في كنيسة الروح القدس في حيّ النور في مدينة الموصل العراقيّة، طالبين منه أن يُغلِق الكنيسة، فكان ردّه تلك الكلمات التي قالها بصوتٍ قويّ وإيمانٍ عظيم؛ فقتلوه مع ثلاثة شمامسة كانوا معه في الكنيسة وهم: الشمّاس وحيد إيشو، الشمّاس بسمان يوسف داؤد والشمّاس غسان بيداويد.
سمعتُ عن الأب رغيد كني، الكاهن الكلداني، منذ بضع سنوات من كاهنٍ صديقٍ لي في لبنان، وهو كان يعرفه معرفةً شخصيّة إذ قد درسا اللاهوت معًا في جامعة القدّيس توما الأكويني في روما. اليوم، يتمّ دراسة ملفّ الأب رغيد في الفاتيكان لإعلانه طوباويًّا، فقدّيسًا في الكنيسة. فكّرتُ مرارًا كم أنّ من الجميل التعرّف في حياتنا على قدّيسين حقيقيّين، فإنّ وجودهم بركةٌ لنا؛ والأكثر من ذلك، كم أنّ القداسة جميلة تنادينا جميعنا لنعيشها أينما كنّا، ومنذ الآن على هذه الأرض قبل انتقالنا يومًا ما إلى السماء.
تقول والدة الأب رغيد: “كانوا يقولون لي قبل أن أتلقّى خبر قتل أبونا رغيد، كيف تقبلين أنّ ابنك يذهب إلى الكنيسة، وأنتِ تعلمين أنّه مُهدّد؟ فكنتُ أقول لهم: لا يُمكنني أن أقول له: تعال، اترك الكنيسة، لأنّه ابن الكنيسة. صحيحٌ أنّه ابني، ربّيته وتَعِبتُ عليه، لكنّه أصبح ابن الكنيسة، وأنا ليس لي أيّ سلطة بعد ذلك عليه”.
كما وأخبرَتْ والدته كيف وزّع، قبل ستّة أيّام من استشهاده، مسابح الورديّة للمؤمنين في الكنيسة في خلال الشهر المريميّ.
استشهد الأب رغيد كني عن عمر 35 سنة، إلّا أنّه انتقل إلى حضن الآب ليُكمِل رسالة المحبّة التي بدأها على الأرض ولكي يصلّي لشعبه وكنيسته فتبقى راسخةً في الإيمان والرجاء والمحبّة، والشهادة المسيحيّة الحقّة أمام وحشيّة العالم وأنانيّة الإنسان المُستعدّة أن تقتل الآخر لتثبت نفسها. فكان استشهاده تطبيقًا حقيقيًّا للإنجيل وشهادة لنا أنّه يُمكننا أن نعيش كلمات ربّنا يسوع إلى العمق، إذ قال لنا: “مَن أَحَبَّ حياتَهُ فقَدَها ومَن أبغضَها في هذا العالم حَفِظَها لِلحياةِ الأبديَّة” (يوحنّا 12: 25)، و “ليسَ لأحدٍ حُبٌّ أَعظمُ من أَن يَبذِلَ نَفَسَه في سبيلِ أَحبَّائه” (يوحنّا 15: 13).
في 22 نيسان 2017، شارك البابا فرنسيس بصلاة من أجل شهداء الإيمان في كنيسة مار برتلماوس الرسول في روما، وقد قدّموا له بطرشيلًا كان يستعمله الأب رغيد، فقبّله البابا ووضعه عليه في خلال الصلاة.
نصلّي لكي تعلنه الكنيسة، بنعمة الله وإرادته، طوباويًّا وقدّيسًا قريبًا، فيكون مثالًا لنا في أن نُحبّ المسيح حتّى النهاية.