د. غسان حنا
إنّ الإيمان المسيحي ليس مجرّد نعمة أو فضيلة؛ إنّه منظومة قيم مسيحيّة إنسانيّة تدعونا إلى التمثّل بالربّ يسوع المسيح.
الإيمان المسيحي بحدّ ذاته هو ثورة ضد المظاهر العبثيّة التي يحكمها روح العالم إذ إنّها مرفوضة بالكامل. ليحقّق المسيحي مسيرته نحو الكمال، يجب أن يتحرّر من كل القشور والمظاهر الدنيويّة.
يسوع يدعونا في أكثر من مرّة إلى عدم إظهار أيّ شيء من سلوكيّاتنا بهدف إظهار الذات أو بدافع الأنانية والكبرياء من أجل بلوغ هدف بشري موقّت لا يمتّ إلى عالم الروح بصلة وليس له معنى يُنمي المؤمن ويرفعه إلى مستوى أعلى.
ليس خلاص الإنسان بقوّة ساعديه ولا بسعيه المتّكل على الذات، إنما بانفتاحه على عمل الله الخلاصي وتدبيره الأبوي الذي يجعل منّا جميعًا أبناءً في الابن الوحيد. إنّ أخطر ما يهدّد هذا الإيمان هو روح العالم، فتنعدم الرؤية وتظلم الطريق.
إنّ روح العالم لا يمكن مواجهته إلا بالإبحار نحو العمق وملامسة جواهر الأمور ومعانيها السامية والإلهيّة والتوغّل الدائم إلى المعنى والدعوة الإلهيّة في كل مناسبة والفرصة المُتاحة للإنسان المؤمن لكي يستطيع أن يجدّد حياته بحسب مواهب الروح القدس التي تفعل فيه وتبنيه بناءً روحيًّا يتحقق من خلاله الخلاص الأبدي.
الروح القدس ينير طريق الإنسان بغية أن يسلك في النموّ والترقّي الروحي. فمواهب الروح التي تحاكي العقل، كالفهم والعلم والحكمة، تمنحنا الوعي والنور لاستكشاف معالم الطريق واختبار أعمال الله وقوّته العاملة فينا ومن خلالنا لبلوغ نضوج إنساني يغلب فيه منطق الله على منطق العالم.
أمّا المواهب التي تحاكي إرادة الإنسان، فتكمن في القوّة والمشورة اللتين تمنحان العزيمة الإنسانيّة دفعًا نحو تحقيق مشيئة الله وإتمام قصده الإلهي. فلا يستطيع الإنسان أن يواجه تحدّيات الحياة من دون أن يستند على قوّة الله وتدخّلاته غير المنقطعة في حياته، كما تعزياته وشفاءاته التي تبلسم الجراح وتنعش الروح كي تتحمّل أعباء المسيرة.
أمّا المواهب التي تحاكي قلب الإنسان، فتتمثّل في مخافة الله والتقوى اللذين يولّدان الحبّ في هذا القلب؛ محبّة الله والقريب، فينطلق المرء إلى الأفق الأسمى الذي يجعله ينفتح على نوعيّة حياة مختلفة يسود فيها منطق الله ووصاياه وتتجدّد فيها النعمة من أجل اختبار الحضور الإلهي الذي يحوّله إلى مستوى كرامة ابن الله بالتبنّي.