البابا فرنسيس
في اللقاء السابق، تكلّمنا عن الأطفال، واليوم أيضًا سنتكلّم عنهم. ركّزنا في الأسبوع الماضي على عمل يسوع وكم مرّة تكلّم عن أهمّية حماية الصغار واستقبالهم ومحبّتهم.
مع ذلك، ما زال اليوم أيضًا في العالم، مئات الملايين من القاصرين، على الرغم من أنّهم لم يبلغوا السنّ الأدنى ليقوموا بواجبات سنّ البلوغ، هم مضطرّون لأن يعملوا ويتعرّض الكثير منهم لأعمال خطيرة بشكل خاص. ناهيك عن الأطفال الذين يتمّ الاتجار بهم لأغراض الدعارة أو المواد الإباحيّة أو الزواج القسري.
للأسف، في مجتمعاتنا، كثيرة هي الأساليب التي يتعرّض بها الأطفال للاعتداءات وسوء المعاملة. الاعتداءات على القاصرين، مهما كانت طبيعتها، هي فعل حقير وفظيع. هي ليست ببساطة آفة اجتماعيّة وجريمة، بل إنّها انتهاك خطير جدًّا لوصايا الله. لا يجوز لأيّ قاصرٍ أن يتعرّض للاعتداءات. حتى حالة واحدة هي أمر مبالَغٌ فيه.
لذلك، من الضروري أن نوقظ ضمائرنا ونكون قريبين ومتضامنين حقًّا مع الأطفال والشباب الذين يتعرّضون للاعتداءات، وفي الوقت نفسه، أن نبني الثقة والتعاون بين الذين يعملون على توفير الفرص لهم والأماكن الآمنة التي يكبرون فيها بسلام…
انتشار الفقر، وقلّة الوسائل الاجتماعيّة لدعم العائلات، والتهميش المتزايد في السنوات الأخيرة، إلى جانب البطالة وعدم الاستقرار في العمل، هي عوامل تجعل الصغار يدفعون الثمن الباهظ. في المدن الكبرى، حيث تنهش الفروق الاجتماعيّة والانحطاط الأخلاقي؛ هناك أولاد صغار يعملون في تجارة المخدّرات وفي أنشطة متنوّعة كثيرة غير مشروعة. كم رأينا من هؤلاء الأولاد الصغار يقعون ضحايا وذبيحة! وقد يُدْفَعُون أحيانًا، بشكل مأساوي، فيصيرون «جلّادين» لآخرين من أمثالهم، بالإضافة إلى إساءتهم لأنفسهم وكرامتهم وإنسانيّتهم. ومع ذلك، عندما نرى هذه الأرواح الضائعة في الشارع، وفي حيّ الرعيّة، ندير وجهنا عنهم وننظر إلى الجهة الأخرى…
يسوع يريدنا جميعنا أحرارًا وسعداء، وإن أَحَبَّ كلُّ واحدٍ منّا كلّ صغير مثل ابنه وابنته، فإنّه يحبّ الصغار بكلّ حنان قلبه. لهذا، فإنّه يطلب منّا أن نتوقّف ونصغي إلى ألم الذين لا صوت لهم، والذين لا علم لهم. مكافحة الاستغلال، وبخاصة استغلال القاصرين هو الطريق الرئيس لبناء مستقبل أفضل للمجتمع كلّه. كانت بعض البلاد حكيمة، فكتبت حقوق الأطفال. الأطفال لهم حقوق. ابحثوا أنتم أنفسكم على الإنترنت وتعرّفوا على حقوق الأطفال.
يمكننا أن نسأل أنفسنا إذًا: ماذا يمكنني أنا أن أفعل؟ أوّلًا، يجب علينا أن ندرك أنّه إذا أردنا أن نقضي على عمالة القاصرين، فلا يمكننا أن نكون متواطئين فيها. ومتى نكون متواطئين؟ مثلًا، عندما نشتري المنتجات التي تستخدم عمالة القاصرين. كيف يمكنني أن آكل وأرتدي ملابسي وأنا أعلم أنّ وراء هذا الطعام أو هذه الملابس، هناك أطفالٌ يتمّ استغلالهم، ويعملون بدل أن يذهبوا إلى المدرسة؟
وَعْيُنا لما نشتريه هو الخطوة الأولى كي لا نكون متواطئين. قد يقول أحدهم، نحن كأفراد، لا يمكننا أن نصنع الكثير. هذا صحيح، ولكن كلّ واحدٍ يمكنه أن يكون قطرة، ومع القطرات الأخرى الكثيرة يمكن أن تصير القطرة بحرًا. لذلك، من الضروري أن نذكّر أيضًا المؤسّسات، بما فيها المؤسسات الكنسيّة، والشركات بمسؤوليّاتها: فهي قادرة أن تُحْدِث فرقًا بتحويل استثماراتها نحو الشركات التي لا تستخدم ولا تسمح بعمالة القاصرين. سَنَّتْ دولٌ ومنظماتٌ دوليّة كثيرة قوانين وتعليمات ضدّ عمالة القاصرين، ويمكننا أن نصنع أكثر من ذلك أيضًا. أحضّ الصحافيين أيضًا -يوجد هنا بعض الصحافيين- على أن يقوموا بدورهم: إذ يمكنهم أن يساهموا في شرح المشكلة ويساعدوا على إيجاد الحلول. لا تخافوا، اشجبوا واستنكروا هذه الأمور.
وأشكر جميع الذين لا يلتفتون إلى الجهة الأخرى عندما يرون أطفالًا يُجْبَرون على أن يصيروا بالغين في وقت مبكر جدًّا. لنتذكّر دائمًا كلام يسوع: «كُلَّمَا صَنَعْتُم شَيْئًا مِن ذَلِكَ لِواحِدٍ مِن إِخوَتِي هَؤُلاءِ الصِغَار، فلي قد صَنَعْتُمُوه» (متى 25: 40). القديسة تريزا من كلكوتا، العاملة في الفرح في كرم الربّ يسوع، كانت أمًّا لأطفال وطفلاتٍ من أشدّ الناس حرمانًا ونسيانًا. بفضل حنان نظرها وانتباهها، يمكنها أن ترافقنا لنرى الصغار غير المرئيين، والعبيد الكثيرين في عالم لا يمكننا أن نتركه في مظالمه لأنّ سعادة الأكثر ضعفًا تبني السلام للجميع. ومع الأمّ تريزا، لنكن صوتًا للأطفال:
«إنّي أطلب مكانًا آمنًا حيث يمكنني أن ألعب.
أطلب ابتسامة من الذين يعرفون أن يحبّوا.
أطالب بحقيّ في أن أكون طفلًا، وأكون أملًا لعالم أفضل.
أطلب أن أكون قادرًا على النموّ كإنسان.
هل يمكنني أن أعتمد عليك؟» (القديسة تريزا من كلكوتا).
المصدر: الموقع الرسمي للفاتيكان
مقتطفات من كلمة البابا فرنسيس في المقابلة العامّة الأسبوعيّة (15 كانون الثاني 2025)