طوني لطيف
“إن ثقافة الرعاية، كالتزامٍ مشترك وتضامني وتشاركي من أجل حماية كرامة الجميع وتعزيزها، واستعدادٍ للاهتمام والتنبّه والشفقة والمصالحة والشفاء والاحترام المتبادل والقبول، تشكّل وسيلة مميّزة لبناء السلام”، وفق ما كتب البابا فرنسيس في رسالته لمناسبة اليوم العالمي الرابع والخمسين للسلام.
الدفاع عن السلام من دون عداوة وخضوع
لعلّ البابا القديس يوحنا بولس الثاني هو خير من تناول في رسائله السبل الفضلى التي تساعد على إرساء أسس السلام والدفاع عنه إذ قال: “من أجل تدعيم السلام، بقهر الشرّ بالخير، لا بدّ من التوقّف عند “الخير العام” وتبعاته الاجتماعيّة والسياسيّة.
عندما يرسخ الخير العام على مختلف المستويات، تزرع بذور السلام. أيمكن للشخص أن يحقّق ذاته كليًّا بالتجرّد عن طبيعته الاجتماعيّة أي عن كونه “مع” و”من أجل” الآخرين؟
إن الخير العام يتعلق به إلى حدّ بعيد وبكل الأشكال التعبيريّة للحياة الاجتماعيّة الإنسانيّة: العائلة، التجمّعات، الرابطات، المدن، الأقاليم، الدول، جماعات الشعوب والأمم. إن الجميع ملتزمون في تحقيق الخير العام والبحث المتواصل عن خير الآخرين، وهي مسؤوليّة تقع بالأخص على عاتق السلطات السياسيّة في مختلف مستوياتها لأنها مدعوّة إلى توفير الشروط الاجتماعيّة التي تسهّل نموّ الشخص الكامل لدى الكائنات البشرية” (رسالة البابا يوحنا بولس الثاني لمناسبة الاحتفال بيوم السلام العالمي في 1 كانون الثاني 2005).
السلام مرتبط بنموّ الشعوب
إلى ذلك، يقول المجمع الفاتيكاني الثاني في هذا الصدد: “بما أن العلاقات البشريّة أخذت تتأصّل وتنتشر رويدًا رويدًا لتعمّ الكون بكامله، أخذ الخير العام ينتشر ويتّسع أكثر فأكثر؛ ومن ثمّ، فإنه يحوي ضمن طيّاته حقوقًا وواجبات تتعلّق بالجنس البشريّ بأسره. وعلى كل جماعة أن تحسب حسابًا لحاجات وتوق الجماعات الأخرى الشرعي، كما أن عليها أيضًا أن تحسب حسابًا للخير العام الذي يشمل العائلة البشريّة بكاملها”.
في سياق متّصل، يتناول البابا يوحنا بولس الثاني أسس بناء السلام، كاتبًا: “بما أن خير السلام مرتبط بعمق بنموّ جميع الشعوب، لا بدّ من أخذ التأثيرات الخلقيّة لاستخدام خيرات الأرض في عين الاعتبار.
يدخل خير السلام اليوم في علاقة وطيدة مع الخيرات الجديدة المتأتيّة عن المعرفة العلميّة والتقدّم التكنولوجي والتي تكون في خدمة حاجات الإنسان الأوّليّة تطبيقًا لمبدأ توجيه خيرات الأرض للجميع. وقد تساعد المبادرات الدوليّة على تطبيق مبدأ توجيه الخيرات للجميع كي تضمن لهم الشروط الأساسيّة للمشاركة في النموّ. وبالإمكان تحقيق هذا التطلّع إذا ما هدمت الحواجز والاحتكارات التي تهمّش شعوبًا كثيرة”.
الطريقة الفضلى من أجل الدفاع عن السلام
يؤكد البابا القديس يوحنا بولس الثاني “أن خير السلام سيكون مضمونًا بشكل أفضل إذا تحمّل المجتمع الدولي، بمزيد من روح المسؤوليّة، ما يعرف بالخيرات العامّة أي تلك التي يتمتّع بها جميع المواطنين. وهذا ما نراه على المستوى الوطني مثل النظام القضائي ومسألة الدفاع وشبكة الطرقات أو السكك الحديديّة. في عالم اليوم الذي شملته ظاهرة العولمة بشكل كامل، تزداد الخيرات العامّة ذات الطابع الشمولي ومعها المصالح العامّة. يكفي التفكير بمكافحة الفقر والسعي لتحقيق السلام والأمن والقلق حيال التغيّرات المناخيّة ومراقبة انتشار الأمراض. أمام هذه المصالح، لا بدّ للمجتمع الدولي من أن يتجاوب عبر شبكة واسعة من الاتفاقات القضائيّة التي ترمي إلى تنظيم التمتّع بالخيرات العامّة انطلاقًا من المبادئ الجامعة للمساواة والتضامن”.
دور المسيحيين في الدفاع عن السلام
أودّ أن أختم مُستشهدًا بكلمات البابا فرنسيس الذي تناول دور المسيحيين في الدفاع عن السلام وصونه: “في العديد من أنحاء العالم، هناك حاجة إلى مسارات سلام تؤدّي إلى التئام الجراح وهناك حاجة إلى صانعي سلام مستعدّين لإطلاق عمليّات شفاء ولقاء متجدّد بذكاء وجرأة. ففي هذا الزمن الذي تتقدّم فيه سفينة البشريّة التي تهزّها عاصفة الأزمة بصعوبة في البحث عن أفق أكثر سكينة، يمكن لدفّة كرامة الشخص البشريّ و”بوصلة” المبادئ الاجتماعيّة الأساسيّة أن تسمحا لنا بالإبحار في مسار آمن ومشترك.
كمسيحيين، نحدّق في مريم العذراء، نجمة البحر وأمّ الرجاء، ونساهم معًا جميعًا في التقدّم نحو أفق جديد من المحبّة والسلام والأخوّة والتضامن والدعم المتبادل والقبول. فلا نستسلم إذًا لتجربة عدم المبالاة بالآخرين، ولا سيّما الأشدّ ضعفًا، بل لنلتزم يوميًّا بشكل ملموس في تكوين جماعة مؤلّفة من إخوة يقبلون بعضهم بعضًا، ويعتنون ببعضهم بعضًا”.