البابا فرنسيس
إن السياسة قبل كل شيء هي فنّ لقاء. من المؤكد أن هذا اللقاء يُعاش من خلال استقبال الآخر وقبول اختلافه في حوار محترم. ولكن كمسيحيين، هناك المزيد: بما أن الإنجيل يطلب منا أن نحبّ أعداءنا، فلا يمكنني أن أكتفي بحوار سطحي ورسمي، مثل تلك المفاوضات التي غالبًا ما تكون عدائيّة بين الأحزاب السياسيّة. نحن مدعوّون لكي نعيش اللقاء السياسي كلقاء أخويّ، ولا سيّما مع الذين لا يتّفقون معنا؛ وهذا يعني أن نرى في الشخص الذي نتحاور معه أخًا حقيقيًّا، وابنًا محبوبًا لله. لذلك، يبدأ فنّ اللقاء هذا بتغيير النظرة إلى الآخر وقبول واحترام غير مشروط لشخصه. إذا لم يحدث هذا التغيير في القلب، فإن السياسة تخاطر بأن تتحوّل غالبًا إلى مواجهة عنيفة لكي نجعل أفكارنا تنتصر، في بحث عن مصالح معيّنة بدلًا من الخير العام، ضدّ مبدأ أن “الوحدة تسود على الصراع”.
من وجهة النظر المسيحيّة، السياسة هي أيضًا تأمُّل، أي صياغة مشروع مشترك. وهكذا أوضح إدموند بورك، سياسي من القرن الثامن عشر، لناخبي بريستول أنه لا يستطيع أن يكتفي بالدفاع عن مصالحهم الخاصّة، لكنّه يفضّل بأن يُرسَل نيابة عنهم لكي يعمل مع أعضاء البرلمان الآخرين على رؤية خير للبلد بأسره من أجل الخير العام. كمسيحيين، نحن نفهم أن السياسة، بالإضافة إلى اللقاء، تسير قدمًا أيضًا بفضل تأمُّل مشترك، في بحث عن هذا الخير العام، وليس فقط من خلال مواجهة المصالح المتضاربة والمتعارضة في كثير من الأحيان. باختصار، “إن الكل يتفوّق على الجزء”. وبوصلتنا لكي نطوّر هذا المشروع المشترك هي الإنجيل، الذي يحمل إلى العالم رؤية إيجابيّة عميقة للرجل الذي يحبّه الله.
السياسة هي أيضًا عمل. كمسيحيين، نحن بحاجة دائمًا إلى أن نقارن أفكارنا بضخامة الواقع، إذا كنا لا نريد أن نبني على الرمل حيث ينتهي به الأمر عاجلًا أم آجلًا بالسقوط والانهيار. لا ننسينَّ أبدًا أن “الواقع هو أكثر أهميّة من الفكرة”.
لقاء، تأمُّل وعمل: نجد هنا برنامجًا سياسيًّا بالمعنى المسيحي… من خلال الصلاة معًا للآب الذي منه ينطلق كل شيء، والاقتداء بيسوع المسيح، والإصغاء إلى الروح القدس، يكتسب اهتمامكم بالخير العام قوّة داخليّة عظيمة وملهمة لأنها الطريقة التي تُمارَس بها السياسة على أنها “أسمى أشكال المحبّة”، كما وصفها البابا بيوس الحادي عشر.
المصدر: فاتيكان نيوز
مقتطفات من كلمة البابا فرنسيس إلى أعضاء جماعة “الطريق الجديد” (أيّار 2022)