البابا فرنسيس
رأى القدماء -الفلاسفة اليونان واللاهوتيّون المسيحيّون على السواء- اتجاهًا مزدوجًا في فضيلة القوّة، الأوّل منفعل والثاني فاعل.
الأوّل يخصّ انفعالاتنا، في داخلنا. لنا أعداء داخليّون علينا أن نهزمهم، ونعرفهم باسم: الاضطراب والقلق والخوف والشعور بالذنب: كلّها قوى تتعارك في داخلنا وفي بعض الحالات تشلّ حركتنا. كم من المقاتلين استسلموا حتى قبل أن يبدأ التحدّي لأنّهم لم يدركوا أعداءهم في داخلهم. القوّة هي انتصارٌ على أنفسنا أوّلًا. معظم المخاوف التي تولد فينا غير واقعيّة، ولا تتحقّق على الإطلاق. لذلك، من الأفضل أن نبتهل إلى الروح القدس ونواجه كل شيء بقوّة صابرة، ونواجه كل مشكلة وحدها، على قدر استطاعتنا، لكن ليس وحدنا! الربّ يسوع معنا، إن وثقنا به وطلبنا الخير بصدق. إذّاك، يمكننا، في كل حالة، أن نتّكل على عناية الله، وسيكون هو درعنا وترسنا.
ثمّ هناك الحركة الثانية لفضيلة القوّة، وهذه المرّة تقتضي مزيدًا من العمل. بالإضافة إلى المحن الداخليّة، لنا أعداء خارجيّون، وهي شدائد الحياة، والاضطهادات، والصعاب التي لا نتوقّعها والتي تفاجئنا. في الواقع، يمكننا أن نحاول التنبّؤ بما سيحدث لنا، لكن جزءًا كبيرًا من الواقع هو أحداث لا يمكن أن نتصوّرها، وفي هذا البحر تتقاذف الأمواج أحيانًا قاربنا. وفي هذه الحالة، تجعلنا القوّة نصير بحّارة مقاومين، لا يخافون ولا يصابون بالإحباط.
القوّة فضيلة رئيسيّة لأنّها تأخذ على محمل الجدّ تحدّي الشرّ في العالم. قد يتظاهر البعض بأنّ الشرّ لا وجود له، وأنّ كل شيء على ما يرام، وأنّ الإرادة الإنسانيّة ليست عمياء، وأنّ التاريخ ليس فيه قوى ظلام تحمل الموت وتتصارع. لكن يكفي أن نتصفّح كتابًا من كتب التاريخ، أو حتى الصحف للأسف، لكي نكتشف الويلات التي نحن ضحاياها أو صانعوها بعض الشيء: الحروب، والعنف، والعبوديّة، وظلم الفقراء، والجراح التي لم تلتئم قط ولا تزال تنزف. فضيلة القوّة تجعلنا نتفاعل ونصرخ بحزم «لا»، أمام هذا كلّه. في غربنا الهادئ والمريح الذي بدّل وأزال القيم، وحوّل مسيرة الكمال إلى تطوّر مجتمعي بسيط، ولا يحتاج إلى صراعات لأنّ كل شيء يبدو له متساويًا، نشعر أحيانًا بحنينٍ صحّي إلى الأنبياء. لكن الأنبياء الرائين والمزعجين نادرون جدًّا. نحن بحاجة إلى من يزعجنا في المكان الناعم الذي وجدنا فيه استقرارنا، ويجعلنا نكرّر بحزم قولنا «لا» للشرّ ولكل ما يؤدّي إلى اللامبالاة. «لا» للشرّ و «لا» للامبالاة. «نعم» للمسيرة التي تجعلنا نتقدّم، ولهذا السبب علينا أن نجاهد.
لنكتشف إذن من جديد قوّة يسوع في الإنجيل، ولنتعلّمها من شهادة القديسين والقديسات.
المصدر: فاتيكان نيوز
مقتطفات من كلمة البابا فرنسيس في المقابلة العامّة الأسبوعيّة (10 نيسان 2024)