“لسنا بحاجة إلى علامات عجائبيّة، وإنما إلى حياة تُظهر أعجوبة محبّة الله، لا إلى القوّة بل المصداقيّة، لا إلى الكلمات بل الصلاة، لا إلى النظريّات بل الشهادة…. لا أن نربح لأنفسنا وإنما لكي نبذل أنفسنا في سبيل الآخرين، لا إلى إجماع العالم بل فرح العالم الآتي، لا إلى مشاريع رعويّة فعّالة بل رعاة يبذلون حياتهم: نحتاج إلى أشخاص مُغرمين بالله. هكذا بشّر بطرس وبولس بيسوع، كشخصَيْن مغرمَيْن بالله؛ فبطرس قبل أن يُصلب لم يفكّر بنفسه وإنما بربّه، وإذ حسب نفسه غير مستحقٍّ لأن يموت مثله، طلب أن يُصلب رأسه إلى أسفل. أما بولس، قبل أن يُقطع رأسه، فكّر فقط بأن يبذل حياته وكتب أنّه يريد أن «يُقَدَّمُ قُربانًا للربّ» (2 تي 4: 6). هذه نبوءة وتغيّر التاريخ!” بهذه الكلمات، اختصر البابا فرنسيس فضائل عملاقي الإيمان الرسولَيْن مار بطرس هامة الرسل، ومار بولس رسول الأمم.
محبّة الربّ جمعتهما
كان بطرس صيّادًا يقضي أيّامه بين المقاذف والشباك في حين كان بولس فريسيًّا مثقّفًا يعلّم في المجامع.
وعندما ذهبا في الرسالة، توجّه بطرس إلى اليهود وبولس إلى الوثنيّين.
في الوقت الذي تشابكت فيه دروبهما، تناقشا بأسلوب جريء، وفق ما أخبر مار بولس في إحدى رسائله (غل 2: 11).
لقد كانا شخصَيْن مختلفَيْن جدًّا لكنهما كانا يشعران بأنهما أخوان، كما في عائلة متّحدة، يحبّ أفرادها بعضهم بعضًا على الرغم من النقاشات والاختلافات في الآراء، فكان الربّ موحّد قلبيهما.
بطرس هامة الرسل
ولد سمعان في بيت صيدا-شاطئ طبريا في الجليل، وكان اسمه بالآراميّة “شمعون بن يونا”، وأصبح مع أخيه أندراوس صيّاد سمك. تزوّج وسكن في كفرناحوم، وأنجب بطرونيلا.
أضحى سمعان وأندراوس تلميذي يوحنا المعمدان، ثمّ تبعا يسوع.
حوّله الربّ من سمعان إلى بطرس إذ قال له: «أنت الصخرة، وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها!» (مت 16: 18).
كان طبع بطرس حادًّا، وأحبّ يسوع وتبعه عن نيّة مستقيمة.
أنكر الربّ لكنه ندم وبكى بكاءً مرًّا بسبب إنكاره معرفته بيسوع. بشّر في أورشليم، ثمّ انتقل إلى أنطاكية ومنها إلى قورنثية وروما.
سُلّم مقاليد الكنيسة في قيصريّة فيليبوس، وثُبّت في الرئاسة بعد القيامة.
وأخبرنا البابا إقليمس حوالى العام 100 أن بطرس تعذّب كثيرًا في روما، وكتب الرسالتين المحفوظتين باسمه.
وصُلِبَ في روما، ورأسه إلى أسفل في 29 حزيران 67 في عهد نيرون، ودُفن في مقبرة الفاتيكان حيث شُيّدت بازيليك مار بطرس والمقرّ البابوي.
بولس رسول الأمم
ولد بولس الرسول في طرسوس-كيليكيا، وكانت مشهورة بثقافتها وازدهارها. دُعيَ “شاول”، وتلقّى ثقافة يونانيّة ويهوديّة، ودرس اللاهوت اليهودي في أورشليم على يد معلّم واسع التفكير يدعى “جملائيل”.
اضطهد المسيحيين في أورشليم وحرّض على قتل إسطفانوس لكنه ارتدّ عندما تراءى له يسوع على طريق دمشق، وهزّه بكلماته: «شاول، شاول! لماذا تضطهدني؟» (أع 9: 4)، فسقط على الأرض…
لقد أسقط الربّ ادعاءه بأنّه رجل متديّن وصالح. وهكذا أصبح شاول المغرور «بولس» الذي يعني «الصغير».
منذ تلك اللحظة، تغيّرت حياته: مَنْ كان يظنه ميتًا هو حيّ وهو المسيح المنتظر. تعمّد وتتلمذ على يد بطرس والرسل، ثمّ أخذ يطوف العالم مبشّرًا بالمسيح.
ألقي القبض عليه في العام 60 في أورشليم ورُفعت دعواه إلى روما، فأخِذَ إليها حيث سُجِنَ وحُكِم عليه بالبراءة. بشّر في روما إلى أن قُبِضَ عليه في أيّام نيرون.
واستشهد بقطع رأسه في العام 67 حيث شُيّدت على اسمه كنيسة في روما، خارج الأسوار.
ولا تزال رسائل بولس الأربعة عشرة منهل التعليم المسيحيّ ومصدر التعمّق في معرفة المسيح.
تحتفل الكنيسة الكاثوليكيّة بعيد القدّيسَيْن بطرس وبولس في 29 حزيران من كل عام، وتعبرهما الشفيعَيْن الأساسيّين لكنيسة روما.
في الخلاصة، نختم مستشهدين بكلمات البابا فرنسيس الذي تناول روحانيّة مار بطرس وبولس وتميّزهما بالنبوءة، قائلًا: “عندما يقلب الإنجيل ضماناتنا رأسًا على عقب، تنبعث عندها النبوءة. وحده الذي ينفتح على مفاجآت الله يصبح نبيًّا. وها هما بطرس وبولس نبيّان يريان إلى حدّ أبعد: يعلن بطرس أن يسوع هو «المسيح، ابن الله الحيّ»، ويستبق بولس نهاية حياته: «وقد أُعِدَّ لي إكليلُ البرِّ الذي يهبه لي الربُّ» (2 تي 4: 8)”.