غيتا مارون
شربل مخلوف… قديس عنّايا، طبيب السماء، مجترح آلاف المعجزات بقوّة الله، عابر القارات، مباركُ لبنان من السماوات ومحتضنُ المؤمنين في العالم بأسره.
تحدّر مار شربل من أسرة تقيّة جذّرت القداسة في قلوب أبنائها لأنّها ارتوت من ينبوع الحياة وتتلمذت في مدرسة الحبّ.
لمناسبة عيد القديس شربل الموافق الأحد الثالث من تمّوز، يسلّط «قلم غار» الضوء على جوانب غير شائعة متعلّقة بعائلته عبر مقابلة خاصة مع الأب غطاس خوري (مخلوف)، كاهن رعيّة مار شربل في ستوكتون-كاليفورنيا، وهو أحد أقارب القديس شربل مخلوف.
صلة القرابة بين قديس وكاهن
يخبر الأب خوري عن صلة القرابة التي تربطه بالقديس شربل مخلوف، فيقول: «هناك علاقة قرابة من جهتين: والدتي: أمّ جدّتي هي ابنة بشارة زعرور مخلوف، وهو أخ القديس شربل، واسمها مورا زعرور مخلوف، ووالدي: من آل خوري: فرع أو “جبّ” من آل مخلوف».
ويتحدّث عن العلاقة الروحيّة التي بناها مع القديس شربل، قائلًا: «أعتبر مار شربل حافزًا لنهضة روحيّة قويّة في الكنيسة المارونيّة أوّلًا والمشرقيّة ثانيًا.
أثّر مار شربل في نموّي روحيًّا. وطلبت منه أن يساعدني لأستثمر وقتي بطريقة صحيحة عندما انتقلت إلى أميركا، والحمد لله لأنّني حصّلت ثقافة روحيّة واجتماعيّة وعلميّة جيّدة».
ويردف: «الكهنوت في أسرتنا يعود إلى ما يقارب 300 سنة. عام 1730، رُسِمَ أوّل كاهن في عائلة مخلوف، اسمه يوسف مخلوف.
في ما يتعلّق بدعوتي، شجّعني أهلي منذ صغري على التكرّس لله، لكنني أجّلت اعتناق الكهنوت إلى حين تزوّدي بالعلم. وأنا اليوم كاهن منذ 34 عامًا».
روحانيّة القديس شربل مخلوف
يؤكد الأب خوري وجوب الغوص في رسائل مار بولس الرسول لفهم روحانيّة مار شربل، مشيرًا إلى ضرورة العودة للآيات الآتية من رسالته إلى أهل فيليبي: «هو الذي في صورة الله لم يُعدّ مساواته لله غنيمة، بل تجرّد من ذاته متّخذًا صورة العبد وصار على مثال البشر، وظهر في هيئة إنسان، فوضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب. لذلك، رفعه الله إلى العلى، ووهب له الاسم الذي يفوق كل الأسماء لكي تجثو ليسوع كل ركبة في السماوات وفي الأرض وتحت الأرض، ويشهد كل لسان أنّ يسوع المسيح هو الربّ، تمجيدًا لله الآب» (في 2: 6-11).
ويشرح: «لم يتحدّث بولس الرسول يومًا عن أقوال يسوع، بل عن أفعاله. مار شربل سار في هذا الخط: الخط البولسي العميق. فكان قديس عنّايا يجسّد كلام الإنجيل بالعمل أكثر من القول».
تفاصيل تُنشر للمرّة الأولى
يروي الأب خوري تفاصيل غير متداولة عن عائلة مار شربل، فيقول: «اختار أنطون مخلوف (والد القديس شربل) زوجته بريجيتا الشدياق، بناءً على شهادة أمّه التي قالت له: “يا ابني، إذا بدّك تعمّر بيتك، في هالبنت؛ شاطرة ونضيفة وبتصلّي. إذا تزوّجتها، بتعمّرلك بيتك”.
فعلًا، كانت والدة القديس شربل سيّدة معروفة بالكرم والجمال وربّت أولادها على القداسة. كما أنّها ارتبطت مرّة أخرى بعد رحيل زوجها الأوّل وأسّست عائلة ثانية مع عبد الأحد مخلوف (كان مار شربل حينها في سنّ الثالثة تقريبًا)، وأنجبت منه ولدين هما: طنّوس الخوري عبد الأحد مخلوف (أولاده من أهل السياسة والعلم)، ونوح الخوري عبد الأحد مخلوف (ابنه الخوري البار بولس مخلوف: هو من جدّد بناء كنيسة السيّدة في بقاعكفرا)».
معجزات وعبق قداسة
يتابع الأب خوري سرد ما تناهى إلى مسمعه من أخبار متّصلة بعائلة مار شربل: «يتحدّث الناس في بقاعكفرا عن أعجوبة حصلت على يد حنا مخلوف، شقيق مار شربل البكر الذي كان وكيل وقف كنيسة مار سابا. وأنا أعتبر أنّ مار شربل تأثر به كثيرًا».
ويقول: «إخوة مار شربل (من والده) هم حنّا وبشارة ويوسف وكون ووردة. كون تزوّجت ولم تنجب أولادًا. وردة توفيت قبل زواجها، بُعَيْد إبراز مار شربل نذوره.
شعرت بريجيتا بأنّها تركت أولادها صغارًا، فتوجّهت إلى دير مار مارون-عنّايا لتُعيد مار شربل إلى البيت. اعتقدت أنّه غادره وترهّب لأنّه حزين أو غاضب من أحد ما.
في المقابل، كانت دعوة مار شربل ناضجة جدًّا في بقاعكفرا قبل الوصول إلى ميفوق وعنّايا».
ويوضح: «رفض شربل استقبال والدته لأنّه اكتسب ثقافة رهبانيّة عميقة وسليمة، ما جعله يعتبر أنّ “الراهب الذي يترك ديره، يجب أن يجدّد نذوره”.
بحسب القوانين الرهبانيّة، ينسلخ الراهب عن العالم، ويجب عليه ألا يفكر في عائلته وبلدته. فهو أصبح يقيم في الدير، وأبوه رئيس الدير، وإخوته الرهبان».
ويضيف الأب خوري: «أمّا علاقة مار شربل بشقيقيه من زوج أمّه عبد الأحد مخلوف الذي أصبح في ما بعد كاهنًا، فكانت جيّدة».
ويؤكد أنّ عائلة مار شربل الأولى مميّزة على الصعيدين الروحي والاجتماعي، وأنّ وضعها الاقتصادي جيّد أيضًا إذ كان أنطون مخلوف، والد مار شربل، فلاحًا مكفيًّا.
ووفق قوله، فإنّ الإمكانيّات المادّية لعائلته الثانية كانت جيّدة أيضًا، شارحًا: «الخوري بولس مخلوف: دعمته والدته مادّيًا، فاستطاع أن يقدم على تنفيذ مشروع ضخم في بقاعكفرا. وحنا مخلوف: كان وكيل وقف في بقاعفكرا، وقد كسب ثقة الناس». ويشير إلى أنّ «طنّوس مخلوف كان شيخ صلح في بقاعكفرا، وهو شقيق مار شربل من أمّه».
رسالة مار شربل وسط «الشحتار»
يشير الأب خوري إلى أنّ الكنيسة مدعوّة إلى عيش القداسة، قائلًا: «بعد المجمع الفاتيكاني الثاني، وعت الكنيسة أهمّية التراث الشرقي، وألقت الضوء على قداسة المؤمنين العلمانيين».
ويعرب عن تفاؤله تجاه مستقبل المسيحيين في لبنان، فيعتبره زاهرًا بفضل دعوات القداسة التي يتجاوب كثيرون معها، ولا سيّما العائلات المسيحيّة.
ويختم الأب خوري حديثه عبر «قلم غار»، مؤكدًا أنّ رسالة مار شربل إلى اللبنانيين اليوم تتمثّل في الدعوة إلى الرجاء إذ إنّه «سفيرٌ خارق للطبيعة» للبنان؛ أينما يذهب يعرّفهم عن نفسه: «أنا شربل لبنان».
ويضيف: «مار شربل يمثّل المسيحيّة الحقيقيّة في الشرق. وأنا أؤمن بأنّه سيضع حدًّا لـ«الشحتار» الذي وُضِعَ على اسمنا وكرامتنا وأولادنا ومؤسّساتنا بسبب أناس “مشلّطين” (كلمة تعني “بلا أخلاق” باللهجة البقاعكفريّة) في حين أنّ الحقيقة مغايرة لتصوير الواقع سلبيًّا، فلبنان يحتضن عائلات صالحة تجسّد القيم المسيحيّة. و”لبنان هو أكثر من وطن بل هو رسالة”، كما قال القديس البابا يوحنا بولس الثاني».