غيتا مارون
صرختها اختصرت وجع العالم كلّه…
إنها كارلن حتّي كرم، الأمّ الشابة التي فقدت زوجها وشقيقها وابن عمّها في انفجار مرفأ بيروت…
سُمّرت على صليب ثقيل! خسرت الزوج والحبيب والصديق ووالد ابنتيها، والشقيق السند، والقريب الغالي…
التمسّك بالإيمان والرجاء
“إن تمسّكنا بالإيمان والرجاء جعلنا نقف من جديد لنكمل مسيرتنا!” أكدت كارلن حتّي كرم.
“لا حياة من دون الشباب الثلاثة…
وعدني زوجي بأننا سنكبر معًا لكنّه غاب… سأكبر وحدي، وسيظلّ شربل شابًّا…
جمعنا الحبّ، وقرّرنا تأسيس عائلة معًا. كان مشوارنا الأوّل في عنّايا حيث قلت لمار شربل: أرجوك، أنا لا أتحمّل الخسارة. إذا كان شربل لي، أبْقِهِ إلى جانبي.
عندما ولدت ابنتي أنجلينا، شجّع زوجي أخي وابن عمّي على الالتحاق بفوج الإطفاء، وكان المسؤول عنهما.
في كل مرّة، كان يُقرع الجرس الذي ينذر بالحريق، كنت أطلب من مريم العذراء أن تحميهم وتعيدهم إلى المنزل بسلامة”.
المكالمة الأخيرة قبل الانفجار
وأخبرت كارلن: “في صباح 4 آب 2020، استيقظ شربل وأمضى بعض الوقت مع ابنتيّ كالعادة…
عند السادسة مساءً، اتصل بي عبر الفيديو من سيّارة الإسعاف، وتحدّث إلى أنجلينا، قائلًا: إننا نتوجّه لإطفاء حريق… استمعي إلى صوت السيّارة! وضحك من كلّ قلبه. ثمّ، وجّه كاميرا الهاتف صوب شقيقي الذي مرّ مسرعًا.
بعدئذٍ، سمعنا عبر التلفزيون أن انفجارًا وقع في بيت الوسط. خاف الجميع على الشباب، قلت لهم: لا تقلقوا! الشباب توجّهوا إلى المرفأ لإطفاء حريق.
حاولت الاتصال بهم. لم يجيبوا. كان قلبي يشتعل نارًا وقلقًا… قلتُ في قرارة نفسي: لا تخافي! إنهم أقوياء! لن يصيبهم أيّ مكروه! لكنني كنت أستشعر أنهم تعرّضوا للأذى…
عند الساعة 8:30 مساءً، أطلّ محافظ بيروت عبر التلفزيون باكيًا من المرفأ، وقال: فقدنا خيرة شباب فوج الإطفاء!
في تلك اللحظة، فقدنا أعصابنا! لم نعد قادرين على الاحتمال. اقتربت من والد شربل المنهار، وطلبت منه التحلّي بالقوّة، وقلت له إنني سأذهب للبحث عنهم في المستشفيات”.
عادوا أشلاء…
وتابعت كارلن: “وصلت إلى المستشفى، وكان المشهد مرعبًا: الدم على الجدران، نهر من الدماء على الأرض، وجوه مشوّهة، حطام، زجاج متناثر، جثث…
بحثنا عنهم في كل مستشفيات بيروت، لكننا لم نجدهم.
عدنا إلى قرطبا، وانتظرنا عودتهم 10 أيّام…
في 13 آب، وصلنا خبر مفاده أنهم وجدوا أشلاء شقيقي وابن عمّي. في تلك اللحظة، أملنا أن يعود زوجي شربل”…
قلبان في نعش واحد
وأضافت كارلن، باكية: “في 15 آب، وصلنا خبر أنهم وجدوا أشلاء زوجي.
من 4 آب حتّى 15 من الشهر عينه، كنت أردّد كل يوم: يا ربّ، أبعد عنّي هذه الكأس! أعدهم إلينا كيفما كانوا!
طلبت من الربّ أن يعيد واحدًا منهم على الأقلّ… لكن لا جواب!
في 17 آب، كان العرس الكبير للشباب… 3 نعوش حوت أشلاء…
بعد مرور أربعين يومًا، سألت أمّي: هل هناك أشلاء للشباب الثلاثة بعد؟ سألنا في المستشفى، وعرفنا أن هناك أشلاءً أخرى. في 19 أيلول، دفنّا هذه الأشلاء…
كانت أشلاء زوجي عبارة عن كيس لحم… دُفن قلبا أخي وابن عمي في نعش واحد”…
دماؤهم أزهرت القمح
لم تبرح العبرات عينَي كارلن التي حُفرت الآلام في فؤادها المطعون بحربة مغمّسة بدماء الشهداء الأبرار، وتوجّهت إلى الشباب الثلاثة بالقول: “أعرف أن هذا الجسد فانٍ لكنهم لم يسمحوا لي بأن أطبع على وجوهكم القبلة الأخيرة أو أحتضنكم للمرّة الأخيرة”…
وختمت كارلن قائلة: “إن دماء الشهداء الذكيّة أزهرت القمح في المرفأ”…