أسرة تحرير «قلم غار»
تتجه الأنظار في نهاية الأسبوع الحالي إلى كاتدرائيّة نوتردام في باريس التي تنفض عنها رماد الحريق لتعانق الحياة من جديد إذ ستشهد العاصمة الفرنسيّة إعادة افتتاح أهمّ معالمها الروحيّة والتاريخيّة، بحضور عدد كبير من الشخصيّات البارزة، وعلى رأسها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في أوّل رحلة خارجيّة له منذ فوزه في الانتخابات الرئاسيّة.
رمز الإيمان والصمود
بعد أكثر من خمسة أعوام على الكارثة التي حلّت بكاتدرائيّة نوتردام، يعود هذا الصرح الشاهق ليستقبل زوّاره مجدّدًا. يُفتتح الحدث وسط إجراءات أمنيّة مشدّدة، بمشاركة نحو 50 رئيس دولة وحكومة ليكون رمزًا عالميًّا للتجدّد والإرادة الإنسانيّة.
شاهدٌ على تاريخ عريق
بُنيت كاتدرائيّة نوتردام في القرن الثاني عشر، واستغرق إنجازها قرابة قرنين من الزمن. كانت الكاتدرائيّة محورًا لأحداث تاريخيّة بارزة، منها تتويج الإمبراطور نابليون بونابرت ومراسم دينيّة ووطنيّة رسمت هويّة فرنسا.
تعزّزت مكانتها الثقافيّة بعد نشر رواية «أحدب نوتردام» للكاتب فيكتور هوغو عام 1831، والتي ألقت الضوء على حالتها المتهالكة آنذاك، ما أثار حملة ترميم بدأت في منتصف القرن التاسع عشر.
حريق 2019… ألم محلّي وعالمي
في 15 نيسان 2019، اشتعلت النيران في سقف كاتدرائيّة نوتردام ودمّرت أجزاءً كبيرة منها، ما أحدث موجة تعاطف عالميّة. انطلقت بعدها حملة تبرّعات كبرى تجاوزت مليار يورو لإعادة بناء الكاتدرائيّة بأدق التفاصيل المعماريّة الأصليّة.
فعاليّات استثنائيّة تواكب العودة
ستبدأ مراسم إعادة افتتاح كاتدرائيّة نوتردام عند الساعة الثانية والنصف يوم السبت المقبل، حيث سيطرق رئيس أساقفة باريس المطران لوران أولريش أبواب الكاتدرائيّة المغلقة بعصاه الراعويّة، معلنًا بذلك عودة الحياة إلى هذا الصرح التاريخي.
وستشهد المراسم لحظة مؤثرة تتمثّل في إعادة إحياء الأورغن العظيم للكاتدرائيّة؛ تلك الآلة الموسيقيّة التاريخيّة التي خضعت لعمليّة ترميم دقيقة استغرقت سنوات، وهي تضمّ ثمانية آلاف أنبوب.
في المساء، ستتحوّل الكاتدرائيّة إلى مسرح فنّي عالمي يجمع نخبة من أشهر الفنّانين العالميين في حفل موسيقي استثنائي. سيقدّم هؤلاء الفنّانون عروضًا موسيقيّة تليق بهذا الحدث التاريخي في تجسيد للبعد الثقافي والإنساني العالمي لكاتدرائيّة نوتردام.
أما يوم الأحد المقبل، فسيشهد إقامة قداس تاريخي وتكريس المذبح الجديد للكاتدرائيّة بمشاركة حوالى 170 أسقفًا من فرنسا ومختلف دول العالم، إضافة إلى كهنة من كل الأبرشيّات في باريس.
وسيعقب القداس حفل استقبال خيري مخصّص للمحتاجين في رسالة تؤكد الدور الاجتماعي والإنساني لكاتدرائيّة نوتردام.
إنّ عودة كاتدرائيّة نوتردام إلى الحياة شهادة لانتصار الخير على الشرّ. هذا الصرح العريق الذي نجا من الثورة والحرب والحريق يقف اليوم كرمز خالد للتراث الكنسي. إعادة افتتاح الكاتدرائيّة رسالة أمل تعبر الحدود وتوحّد الشعوب.
عندما تُقرع أجراس كاتدرائيّة نوتردام مجدّدًا، ستكون صدى لإيمان لا ينطفئ، وتاريخ يتجدّد، ومستقبل مبنيّ على أسس الجمال والإرادة الصلبة.
نوتردام ليست مجرّد كاتدرائيّة، بل روح مدينة وقلب وطن وحكاية خلود.