غيتا مارون
كاتدرائيّة مار جرجس المارونيّة في بيروت صرحٌ ديني وتاريخي يعكس هويّة العاصمة اللبنانيّة وإرثها الروحي والثقافي. من موقعها الاستراتيجي إلى دورها الديني والوطني، كانت كاتدرائيّة مار جرجس شاهدةً على تحوّلات مفصليّة في تاريخ لبنان.
للإضاءة على هذا المعلم الروحي العريق، كان لـ«قلم غار» لقاء مع النائب العام في أبرشيّة بيروت المارونيّة المونسنيور إغناطيوس الأسمر الذي تناول أهمّية الكاتدرائيّة ومكانتها المميّزة.

ولادة كاتدرائيّة مار جرجس
مُنِحَت كاتدرائيّة مار جرجس المارونيّة تسميتها (مشتقّة من الكلمة اليونانيّة «كاتدرا»، أي الكرسي) لكونها كرسي الأسقف في الأبرشيّة، وليست مجرّد كنيسة كبيرة. منها ينطلق المطران لممارسة مهامه الرعويّة من تعليم ووعظ وإدارة للأبرشيّة. ومع مرور الزمن، تحوّلت الكاتدرائيّات إلى مراكز تجمع أبناء الأبرشيّة حول أسقفهم، فتوسّعت وأصبحت رمزًا لوحدة الكنيسة في الأبرشيّة.
في العاصمة اللبنانيّة بيروت، دشّن المطران الراحل يوسف الدبس كاتدرائيّة مار جرجس عام 1894، يوم أحد الشعانين، بعدما أشرف على بنائها مهندسٌ إيطالي، مستوحيًا تصميمها من كنيسة القديسة مريم العظمى في روما. منذ ذلك الحين، شكّلت هذه الكاتدرائيّة شاهدًا على التاريخ اللبناني بكل محطاته، من الحكم العثماني والاستقلال، وصولًا إلى يومنا الحالي.
مميّزات كاتدرائيّة مار جرجس
تمتدّ الكاتدرائيّة على طول 62 مترًا وعرض يتراوح بين 24 و25 مترًا، وتتّسع لنحو ألف شخص جلوسًا، من دون احتساب أماكن الوقوف والشرفات.
تحتضن الكاتدرائيّة أهمّ الاحتفالات الدينيّة، وعلى رأسها تذكار القديس مارون، العيد الديني الوطني الوحيد في لبنان. بسبب ضيق مساحة كنيسة مار مارون في الجمّيزة وعدم قدرتها على استيعاب الشخصيّات الرسميّة، نُقِلَ الاحتفال إلى كاتدرائيّة مار جرجس، حيث تُقام المراسم الدينيّة بحضور القيادات الروحيّة والزمنيّة في البلاد.

دور وطني وثقافي
إلى جانب دورها الروحي، كان للكاتدرائيّة دور وطني بارز، إذ اعتُبرت ملتقى النخب الفكريّة منذ عهد المطران يوسف الدبس الذي أنشأ فيها منتدى ثقافيًّا ضمّ أدباء وشعراء ومفكّرين. استمرّ هذا التقليد في عهد المطران مبارك، واستقطبت عظاتها شخصيّات إسلاميّة ودرزيّة، خصوصًا في زمن الصوم.
كما كانت الكاتدرائيّة شاهدةً على لحظات مصيريّة في تاريخ لبنان، ومحطّة مهمّة في مراسم تشييع رؤساء الجمهوريّة اللبنانيّة. وعند تنفيذ أحكام الإعدام، كان خوري الكاتدرائيّة يقوم بواجباته الدينيّة تجاه المحكوم عليه إذا كان مسيحيًّا.

«كنيسة-كاتدرائيّة»
تُعدّ كاتدرائيّة مار جرجس المارونيّة من أهمّ الكاتدرائيّات في لبنان، فهي الوحيدة المعترَف بها قانونيًّا كـ«كنيسة-كاتدرائيّة» إذ إنّ أيّ أبرشيّة تحتاج إلى موافقة الكرسي الرسولي في روما لإنشاء كاتدرائيّة رسميّة. لا يحقّ للمطران تغيير اسمها أو موقعها إلا بإذن الفاتيكان، ما يمنحها أهمّية استثنائيّة مقارنةً بسواها من الكنائس.
كما لا تُمنَح صفة «كنيسة-كاتدرائيّة» إلا ضمن شروط محدّدة يفرضها الكرسي الرسولي، منها:
- أن تكون مركزًا روحيًّا أساسيًّا حيث تُقام كل الصلوات من دون استثناء.
- أن تتوفّر فيها الخدمة الرعويّة الكاملة، بما في ذلك القداديس اليوميّة والصلوات الطقسيّة.
- أن تستوفي معايير جغرافيّة وسكانيّة تحدّدها السلطات الكنسيّة العليا.
جارة مسجد محمد الأمين
يجاور مسجد محمد الأمين كاتدرائيّة مار جرجس المارونيّة، ما يعكس التنوّع الديني والعيش المشترك الذي تتميّز به بيروت.

كاتدرائيّة مار جرجس المارونيّة رمزٌ للصمود الروحي والتاريخي في قلب بيروت، وشاهدةٌ أمينة على إيمان شعبها والدور المحوري للكنيسة في لبنان. على الرغم من الأزمات التي عصفت بها عبر العصور، لا تزال شامخة، حاملةً إرثًا لا يمحوه الزمن.
———————————————————-
«قلم غار» موقع رائد في كتابة شهادات الحياة الملهمة، ينقل اختبارات مؤمنين رُصّعت حياتهم بانتصارات مكلّلة بالغار، ويتناول أخبار الكنيسة الجامعة، مع إضاءات حصريّة وموثّقة وموثوقة ووافية وآنيّة. تخطّى حدود الوطن إلى العالميّة. نال بركتين روحيّتين: أبويّة وحبريّة.
يسعى موقعنا منذ انطلاقته، ولا سيّما في النقلة النوعيّة التي جعلته يحتلّ المراتب الأولى في التغطيات الحصريّة عام 2024، إلى إعلاء صوت مسيحيي الشرق المتألمين وإيصال البشرى حتى أقاصي الأرض.
———————————————————-