خير عون
كلنا عطشى إلى ينبوع الماء الحيّ،
فترتوي منك، يا قدوس، يا كل العطاء.
نحن جياع وعطاش إليك… عمَّ نبحث؟
هل نبحث عن وصيّة قديس يتكلّم بصمته، ويعود إلى قلبك؟
هل نبحث عن آية في إنجيل الكلمة؟
ربما نبحث عن شوكة ريتا في جبينها، وعن الوردة، والعريشة،
كي تقطف القداسة لزوجها وأولادها.
عن صمت شربل في محبسته، مصغيًا إلى يسوع في القربان،
يواسيه في عزلته، متّحدين قلبًا واحدًا.
شربل الذي طوّع الطبيعة بتمرّدها ولم يهب قساوتها،
فأذاب الثلج دموعًا، وقهر لهيب الشمس الحارقة،
هذا اللهيب جفّف ندى الصباح على الورود الضارعة
بصلاتها إلى السماء، مرسلة عبيرها
إلى قلب أمّه تصلّي من أجل قداسة ابنها.
ربما نبحث عن بادري بيو، في سمات جروحات المسيح،
تذيبه ألمًا وسيلًا من الدماء يشعل قلبه بالحبّ والثقة برحمة الربّ.
هو الذي أسكت الشرير باسم يسوع،
وانسحق رأسه تحت أقدام أمّنا مريم.
ربما نبحث عن رفقا التي طربت وجعًا
لتحطّم عظامها المتكسّرة، ورتّلت نشيد القيامة.
زحفت لتلاقي حبيبها يسوع في القربان،
وأغلقت عينيها مسبّحة بخشوع،
قلبها اختبأ بين أضلاع تسحقه، ليذوب ألمها في ترابها،
وتعود جميلة بل أجمل، فيكلّلها يسوع في سمائه.
ربما نبحث عن قديس كفيفان ناسكًا بين الجماعة،
لابسًا مسحه، وميرون كهنوته
يذكّره بالمسيح المجرّح بمخالب المجالد، المدمّى بآلام البشريّة.
ربما نبحث عن الأخ اسطفان الذي زرع القلوب محبّة،
وروى الأرض بعرقه، بطاعة عمياء.
أخٌ في ثوب كاهن يحتفل بقداسه على مذبح التواضع،
ويقطف من خير السماء نعمًا وعطايا.
ربما نبحث عن بونا يعقوب الذي سمع أنين جروحات البشريّة
المصلوبة بعاطفتها والمجروحة بذكرياتها،
فتمسّك بالصليب ومشى درب جلجلته.
حُفرت دعساتهم عند أقدام الصليب
الذي عانقته تريزا الطفلة المرسلة في عزلة دير الكرمل وصمته.
جالت الكون بصلواتها وأمانتها، حاملة 24 سنة مكتنزة فرح يسوع.
قطفت من بستان السماء، ورود حبّ، جمعتها في حبّات مسبحتها،
والصليب بين يدي أمّنا مريم العذراء…
ها هي أمّنا تمسح دموع أولادها المرتفعين على صليب وطنهم،
المثقلين بأحمالهم، وعيونهم مشتاقة إلى الحبّ والمسامحة والغفران.
كلنا عطشى، يا يسوع، إلى رحمتك، فنغرف من قلبك لنرتوي محبّة وحرّيّة.