إيلين زغيب عيسى
عكست زيارة أمين سرّ حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين للبنان القلق الذي يشعر به البابا فرنسيس تجاه هذا البلد، بسبب التطوّرات الخطيرة التي تكاد تطيح الكيان اللبناني والوجود المسيحي الوازن فيه. والأخطر أنّ «لبنان الرسالة»، كما وصفه البابا القديس يوحنا بولس الثاني، مهدّد بالاندثار.
لطالما كانت للبنان مكانة خاصّة لدى الكرسي الرسولي الذي يعمل بصمت وبعيدًا عن الأضواء من أجل حماية بلد الأرز، البلد الأخير في الشرق حيث للمسيحيين وجود فاعل. وإذا كانت زيارة الكاردينال بارولين ترتدي طابعًا رعويًّا، وهو الاحتفال بذكرى تأسيس منظمة فرسان مالطا وعيد مولد القديس يوحنا المعمدان شفيعها، فإنّ أبعادها الحقيقيّة هي أبعاد سياسيّة بامتياز.
أمّا أهمّ النقاط التي تقلق الفاتيكان، والتي بحثها الزائر الفاتيكاني، فهي: مخاطر انزلاق البلاد إلى حرب إقليميّة واسعة، ما يهدّد فكرة وجود الدولة ويزيد من انهيار المؤسسات ويقتل مستقبل الشباب فيه. ويعي البابا جيّدًا ما يواجه لبنان وهويّته ومستقبل المسيحيين فيه في ظلّ الهجرة المتنامية ووجود النازحين السوريين والمصاعب الاقتصاديّة.
لذلك، ركّز بارولين، وهو الرجل الثاني في الفاتيكان، على أهمّية انتخاب رئيس للجمهوريّة كشرط لا بدّ منه لاستمرار الدولة، خصوصًا أنّه الرئيس المسيحي الوحيد في الدول العربيّة. كما شدّد على أهمّية تطبيق الدستور والحفاظ على صيغة العيش المشترك.
وكان بارولين بحث ملف رئاسة الجمهوريّة قبل فترة مع الموفد الفرنسي جان إيف لودريان الذي زار روما، وحمل إلى البابا المخاوف ممّا وصفه بـ«زوال لبنان السياسي». وفي زيارته لبيروت، التقى كلًّا من رئيسَي حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والمجلس نبيه برّي، وأكد من عين التينة دور المجلس ومسؤوليّة رئيسه والأطراف المسيحيّة والمسلمة أيضًا في تأمين انتخاب رئيس للبلاد.
كما استمع الموفد الفاتيكاني في بكركي إلى وجهات نظر الأفرقاء السياسيين والأحزاب ورؤساء الطوائف الذين دعاهم البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إلى لقاء في الصرح. ولكن الموفد البابوي لاحظ أيضًا بأسى الخلافات بين الزعماء الموارنة. كما صادفته المشكلة التي تمثّلت في غياب ممثل عن المجلس الشيعي الأعلى عن لقاء بكركي، احتجاجًا على العظة الأخيرة للبطريرك، والتي أشار فيها إلى أنّ «رئيس الجمهوريّة المنشود هو الذي يُعنى بألا يكون لبنان منطلقًا لأعمال إرهابيّة تزعزع أمن المنطقة واستقرارها». وشكّل غياب المكوّن الشيعي رسالة مزدوجة إلى بكركي والفاتيكان معًا.
يعود بارولين إلى روما بعد زيارته للبنان التي استمرّت أربعة أيّام، ناقلًا ما سمعه وما رآه. صحيح أنّ ثقل الفاتيكان هو معنوي، لكنّه سيضغط على المجتمع الدولي ويدعوه إلى عدم ترك لبنان الذي قال عنه أمين سرّ الفاتيكان: «لبنان، مع جباله الشامخة التي شهدت على ولادة نور الشعوب وأمير السلام، في إمكانه أن يزهر من جديد لأنّه علامة من علامات السلام التي أرسلها الله لنا».