شربل غانم
كُتِب الكثير عن مار شربل، ماذا يُقال بعد؟! بعد حيرة، وجدتُ نفسي أتأمّل باسمه «شربل» ومعناه: «قصّة الله».
في العام 1828، بدأ الله بكتابة قصّة عملاق القداسة مع ولادة طفل في بقاعكفرا في 8 أيّار وفي العام عينه على قمّة جبل كان يُسمّى «جبل التجلّي» في ما مضى حيث وُضِعَ حجر الأساس لدير مار مارون-عنايا اليوم، بعد 14 عامًا من بناء محبسة القديسَيْن بطرس وبولس. ليست صدفة أن لبنان ذلك البلد الصغير يحكي قصة قديس كبير، يوسف مخلوف الذي سيُمْسِي الأب شربل الحبيس. قصّة يتجلَّى من خلالها الله القدير.
عندما تطأ رجلك قرية بقاعكفرا الشماليّة المُرتفعة على أعلى القمم تلك الأرض الطيّبة التي أغدق الربّ عليها النعم والبركات بشفاعة شربل القديس، تشعر بالسلام والمحبّة متى تلتقي أهاليها. هناك تتأمّل بيت أنطوان مخلوف الذي تعبق من داخله رائحة البخور… هناك عاش يوسف طفولته وسط عائلته. ترسّخت فضيلة الإيمان في بوتقة الألم، بعدما دخل الموت عتبة ذلك البيت.
حينما بلغ يوسف 16 عامًا من عمره، بدأ يزور خالَيْه الحبيسَيْن في قزحيا اللذين سيكون لهما الأثر الأوّل لسلوكه الحياة الرهبانيّة والاقتداء بسيرتهما من خلال ما لقّناه عن تاريخ الرهبنة والحياة النسكيّة والتقشف وأعمال البرّ. لكم فُتِنَ يوسف الشاب ذو المشاعر الرقيقة بخلائق الربّ في ذهابه وعودته، يتأمّل المناسك والطبيعة والأرز الشامخ حيث تعبق رائحة البخور وتلمس النفس أمجاد السماء، في رحابها سيسمع صوت الربّ يدعوه «تعال اتبعني» (مر 10: 21).
أكمل الله قصّته طوال سبعة وأربعين عامًا منذ أن دخل يوسف دير ميفوق في العام 1851، واتخذ له اسم «شربل» تاركًا العالم بجذريّة مطلقة، وعازمًا على أن يصير قديسًا في الرهبنة المارونيّة اللبنانيّة. كباقي الرهبان عاش وعمل في الدير مواظبًا يوميًّا على الذبيحة الإلهيّة وكلّ الفروض الرهبانيّة والصلوات. على يد الأب نعمة الله كسّاب الحرديني، تعلَّم أسس الحياة الروحيّة المبنيّة على الكتاب المقدّس والقراءات الروحيّة وسير القديسين.
بعدما نال سرّ الكهنوت، انفتح شربل أكثر فأكثر على الروح القدس الذي ملأه وزيّنه بكل الفضائل: العفّة والفقر، الوداعة والتواضع، الصبر والطاعة الكاملة، الصمت والصلاة. وأحبّ مريم العذراء.
سلك درب الجلجلة كما أوصاه معلّمه الأحبّ «قديس كفيفان». كانت نفس شربل تتوق إلى الاتّحاد بالربّ عازمًا على طاعة القوانين. وبعدما رفض رئيس الدير مرّات عدّة قبول رغبة شربل في التنسّك، أتت آية السراج علامة من السماء لنيل بركة البطريرك بولس مسعد وموافقته آنذاك، ومضى نحو المحبسة في العام 1875 حيث عاش 23 عامًا مليئًا بالتضحية.
فارق الحياة عشيّة عيد الميلاد 24 كانون الأوّل 1898، فكانت الحياة مع المسيح تتمجّد بعجائب على الأرض وما زالت إلى يومنا هذا.
اليوم من لبنان هذا البلد الصغير، أتى قديس كبير، للعالم شفيعًا. قصّة الله أوجدها الربّ القدير على الأرض منارة للشعوب.
في شربل الحبيس، سطعت هويّة لبنان، تلك الأرزة الروحيّة الخالدة. باسم شربل القديس، تتّحد الشعوب وبشفاعته أصبح دير مار مارون-عنايا مُلتقى الديانات.
وجه شربل المليء بالتجاعيد يحكي تاريخ لبنان، وقف الربّ القدير، هذا البلد الذي عانى الكثير من الضيق ظلّ لبنان الرسالة.
نسألك شربل أن تتشفّع لنا أمام عرش الربّ، وتحمل باقات صلاتنا وأمنياتنا لنحيا معك لمجد الربّ طوال حياتنا لننال النعمة. هبنا بركة صلاتك ورسم صليب المسيح لنفوسنا لنُشفى روحًا ونفسًا وجسدًا باسم يسوع المسيح ونقتفي آثارك لنحيا معك في الأبديّة. آمين.