غيتا مارون
إهداء وتحيّة وفاء إلى روح الشحرورة الصبّوحة
قبلة معطّرة بالأصالة والمحبّة أرسَلَتْها باسم الشحرورة الصبّوحة، أسطورة لبنان الخالدة، عبرت صفحتها الفيسبوكيّة لتعانق قلبي وتدعوه إلى كتابة هذه السطور بحبٍّ في ذكرى غياب عملاقة لبنان وإجراء مقابلة مع سيّدة لم تجمعها بها قرابة الدم فحسب، بل رابط المحبّة الأبديّة.
———————————————————-
في مثل هذا اليوم، فقد لبنان صباحه، أسطورة الفنّ اللبناني والعربي التي أضاءت بحضورها حياة الملايين وشكّلت علامة فارقة في تاريخ الفنّ الأصيل. صباح عانقت بصوتها شموخ الأرز وبابتسامتها دفء الشمس. كانت رمزًا للحياة والفرح والإبداع.
اليوم، نتأمّل في محطات مشرقة من حياتها شاركتها فيها ابنة شقيقتها، ونتذكّر رسالتها التي رسّخت قيم الحبّ والأمل والفرح في نفوس أجيال.
في الذكرى العاشرة لغيابها، نستذكر أسطورةً لا تموت، وصوتًا لا يخبو صداه في وجدان الزمن، بل يتردّد في الكلمات والنغمات والقلوب المُحِبَّة.
صباح، ملكة الفرح ووجه لبنان الباسم، ظاهرة لا تتكرّر، نقشت اسمها بحروف الخلود في ذاكرة الوطن والعالم.
من أودية الأرز إلى عواصم الفنّ، سحرت القلوب بصوتها الذي يحمل وهج الحياة. عاشت كقصيدة حبّ وغادرت كشذا فرح أبدي.
ضيفتنا مميّزة بوفائها النادر، ومحبّتها الصافية، وعلاقتها المميّزة مع شقيقة والدتها حتى الرمق الأخير.
رافقت خالتها لسنوات، ولا سيّما بعد إصابتها بالمرض منذ العام 2000 لغاية 26 تشرين الثاني 2014.
عملت في الإخراج منذ السبعينيّات لغاية العام 2009 في تلفزيون لبنان، بإشراف المخرجين سيمون أسمر وباسم نصر وأنطوان ريمي وجان فيّاض والياس متى.
قدّمت برامجَ إذاعيّة. جذبتها الكتابة والصحافة، ولم يكن التمثيل شغفها.
هي ابنة الصحافي والمفكّر فاضل سعيد عقل والفنّانة لمياء فغالي وابنة شقيقة الشحرورة صباح، ثلاثة رموز شكّلوا في حياتها مدرسة فريدة في الإيمان والثقافة والفنّ.
إنّها المخرجة كلودا عقل التي تخبر «قلم غار» عن مسيرتها الروحيّة، وتكشف خبايا مضيئة من إرث والديها الراحلين، وتنثر عبق خالتها الحبيبة الشحرورة الصبّوحة.
-كيف لمستِ دور الله في حياتك؟
أنا إنسانة مؤمنة. ولدتُ في 15 آب، عيد انتقال السيّدة العذراء، وهي شفيعتي في الحياة. أشعر بامتنان عميق لوجودها المستمر في حياتي، فقد منحتني القوّة والإيمان، وزوّدتني بهما عبر ابنها يسوع المسيح.
اسمي في المعموديّة ماري-تريز، ولدتُ في بيئة طيّبة وكريمة، وترعرعت في كنف أسرة لا تميّز بين الناس ولا تؤذي أحدًا لأنّها جعلت الروح في المحور، وليس المادة.
في هذا الإطار، أذكر والدي الذي كان يضع قرشًا مثقوبًا في حذائه، ويقول لمن يسأله عن سبب ذلك: «إجري والمصاري سوا». اعتبر والدي المال وسيلة للعيش فحسب، ولم يسمح للمادة بأن تتحوّل إلى غاية أو عبوديّة.
لقد جاء المسيح ليُرينا المستقبل بحكمته وعظاته، فكان مثالًا يحتذى به. كما أظهر لنا أنّ الفقر يصنع العظماء، لا الصغار.
إيماني العميق جعلني ألمس دور الله في حياتي. الإيمان بمسيرة يسوع المستمرة منذ أكثر من ألفَي عام منحني راحة وسلامًا داخليًّا.
عملتُ في تلفزيون لبنان، وتنقّلتُ يوميًّا من أنطلياس إلى قناة 7 في بيروت الغربيّة في خلال الحرب اللبنانيّة، متجاوزةً المخاطر اليوميّة. كنت أبدأ يومي وأختمه بالصلاة في الكابيلا داخل منزلي.
إيماني الكبير جعلني أواجه تلك المخاطر بشجاعة من دون الالتفات لما يجري حولي. كانت مريم العذراء ترافقني يوميًّا، وتعيدني سالمة إلى البيت. هذا الإيمان زرعته في ابني إيلي وأحفادي الثلاثة إذ رغبت في أن يرثوا هذا الكنز الروحي.
-كيف تشعرين بحضور الربّ إلى جانبك عند مواجهة الصعوبات؟
الصعوبات جزء لا يتجزأ من الحياة؛ كانت مسيرتي مليئة بالمخاطر دائمًا، لكن الربّ نجّاني منها. أخاف الله وأثق بمعونته، فقد كان إلى جانبي في كل مراحل حياتي.
عندما يدرك الإنسان أنّ الألم يمكن أن يقوده إلى نهاية جميلة، بينما تقوده الملذات إلى مهالك، تتغيّر نظرته للحياة. المسيح حوّل معنى الألم، فصار خلاصيًّا. لذلك، بتُّ أرى فيه سبيلًا للوصول إلى الخواتيم الحلوة.
في هذا العالم، نشهد تفاوتًا وتزايدًا لنسبة الشرّ والغباء. كما تحوّلت وسائل التواصل الاجتماعي إلى آفة بسبب غياب الضوابط التي تنظّم استخدامها.
بالنسبة إليَّ، الإيمان يتجسّد في الضمير الحيّ والإنسانيّة الصادقة.
-ننتقل إلى الحديث عن دور والديك في حياتك، ماذا طبعا فيكِ منذ طفولتك؟
ترك والداي لي عطرًا جميلًا علّمني التمييز بين الخير والشرّ وعدم التعلّق بالمال، على الرغم من الظروف العائليّة الصعبة التي أدّت لإرسالي إلى مدرسة داخليّة بسبب العمل والسفر.
كنت الابنة الوحيدة لوالديّ، فاتّكلت على نفسي وعلى عون الله المستمر.
أودّ إخبارك بموقف حدث معي، ولا يزال محفورًا في ذاكرتي. هناك أسئلة كثيرة لا يجد المرء جوابًا لها، منها تلك المتعلّقة بالموت والمرض، بينما هناك أسئلة تكون أجوبتها نابعة من الإيمان أو الرجاء…
في أثناء التحضير للقربانة الأولى عندما كنت في الثامنة من عمري، شرحت لنا إحدى الراهبات كيف خلق الله العالم في 6 أيّام. عندما سُئلنا إن كان لدينا أيّ استفسار، رفعتُ يدي وسألت: «من خلق الله؟». حينها، طلبت الراهبة أن أقترب منها وصفعتني…
لم أفقد إيماني بسبب تلك الصفعة، لكنها دفعتني إلى البحث والتفكير في أمور كثيرة لم أجد لها إجابات. بعد سنوات من التأمّل، اقتنعت بأنّ الولادة والموت على الصليب هما محور إيماني، ولم أعد أؤمن بما حصل قبل مجيء المسيح.
التنشئة الإيمانيّة الصحيحة، برأيي، لا تتمثّل في سرد الروايات بقدر ما تكمن في تقديم المثل الصالح وكيفيّة معاملة الآخرين بإنسانيّة. الإيمان يتجلّى في الصبر وتحمُّل الآلام. الكنيسة تحتاج إلى تطوير أسلوبها لتُنشئ جيلًا مقتنعًا بإيمانه.
في المدرسة الداخليّة حيث بقيت حتى سنّ الثانية عشرة، كانت الحياة أشبه بالخدمة الإلزاميّة في الجيش: استيقاظ باكر عند الخامسة صباحًا، نظام صارم للعشاء، وقواعد قاسية. تمرّدت على هذا الواقع لأنّني كنت بحاجة إلى العاطفة والحنان.
على الرغم من قساوة تلك التجربة، لم أخرج عن المسار الصحيح. المسيح بقي محور حياتي، وكانت مريم العذراء التي أسمّيها «أمّي» مصدر راحتي وسلامي الداخلي.
أؤمن بأنّ الإنسان بحاجة إلى العيش بانسجام مع نفسه، وبأنّ الذكاء الحقيقي يقترن بالتفكير والإنسانيّة. أما الشرّ، فكثيرًا ما يكون ناتجًا عن الغباء لأنّ الغبيّ هو من يؤذي الآخرين.
-ماذا أعطاكِ أهلك من إرثهم؟
والداي تركا لي إرثًا معنويًّا لا يُقدّر بثمن. على الرغم من انشغالهما وبعدهما أحيانًا، بقيت قريبة منهما وداعمة لهما. عشت في أجواء من الطيبة والكرم، إلى جانب مواجهة الحاجة أحيانًا.
علّمتني اختباراتي، سواء في حياتي المهنيّة أم الشخصيّة، أنّ المأساة تولّد القوّة. كان وجود والديّ كافيًا ليشعرني بالسعادة والراحة لأنّ طبيعتهما الجميلة انعكست في حياتي.
بقيت إلى جانب أمّي وخالتي في محنتهما، أدعمهما معنويًّا بإخلاص. لم أتمرّد يومًا على أهلي.
أحببت خالتي صباح جدًّا لأنّ بيننا تشابهًا كبيرًا في الشخصيّة والأفكار والذوق. كانت دائمًا إلى جانبنا، بخاصة أمّي، فدعمتها منذ بداياتها في الفنّ.
خالتي لجأت كثيرًا إلى أمّي لطلب المشورة ولتمَيُّزِها بحكمة ونظرة عميقة للأمور. كما عاملتنا بطيبة كبيرة، وكانت سخيّة معنا إذ ساعدت والدتي معنويًّا وماديًّا. بدوري، رأيت أنّ واجبي يكمن في مقابلة الخير بمثله.
-ماذا قدّم أهلك للبنان؟ هل أنصفهم وطنهم كما يليق بهم؟
من جهة والدي، قدّم للوطن الكلمة الحقّة. وكان جدّي سعيد فاضل عقل شهيدًا أُعدم في 6 أيّار 1916.
من جانب أمّي، أعطت وطنها التمثيل الراقي والأداء المتميّز. أدّت أدوارها بإخلاص، ولطالما صلّت في الكواليس طالبةً من الله القوّة لتقديم الأفضل. كانت مثالًا يُحتذى به.
في أحد أدوارها، اندمجت إلى درجة أُغمي عليها في خلال التصوير، واضطروا لإحضار طبيب بسبب نقص الأوكسجين.
أتقنت أمّي دور الشريرة إلى حدٍّ أنّ عائلتنا تلقّت اتصالات تهديد بسببها، لكنها في الحقيقة إنسانة طيّبة وحنونة. تمنّت أن تكون قويّة، ووجدت في أدوارها فرصة لإظهار هذه القوّة، ما جعلها تنجح وتتميّز في مسيرتها الفنّية.
في الواقع، الجمهور يكرّم الإنسان. عند وفاة خالتي، كانت جنازتها استثنائيّة إذ غصّ البلد بالحشود في وداعها. خالتي مدرسة في الفنّ والحياة بصوتها وأدائها وأناقتها. أفتخر بها، والجمهور كرّمها يوم رحيلها.
-علاقتك بالصبّوحة مثاليّة، ماذا تخبرينا عن الرابط الجميل الذي جمع الخالة الأسطورة مع ابنة أختها؟
منذ خوضي مجال العمل في عمر مبكر، شعرت خالتي بأنّني قادرة على تدبير أموري ومواجهة الحياة بثقة. لقّبتني بـ«الجدعة».
بدأت خالتي توكلني بمهمّات كثيرة. كنت منظّمة في كل خطوة؛ عند دفع المستحقات، أحرص على طلب وصولات لضمان المصداقيّة. بذلك، أوحيت لها بالثقة من دون أن تطلبها مني. حتى آخر لحظة من حياتها، وثقت بي ومنحتني وكالات للتصرّف بكل ما يخصّها.
في خلال الحرب، طلبت مني نقل أغراضها الثمينة من منزلها في الحازمية إلى بيتي. استعنت بجارنا الراحل ريمون معلوف الذي ساعدني لإتمام المهمّة في غضون ثلاثة أيّام من دون مقابل وتحت وابل القذائف، حبًّا بها. من هنا، بدأت علاقتي بخالتي تنمو تدريجيًّا، وأصبحت تعتمد عليَّ أكثر، وتشاركني أسرارها وشؤونها الخاصة.
تحلّت بذهنيّة متطوّرة، واحتاجت إلى من يوفّر لها الراحة والأمان، فكنت ميناء سلام لقلبها.
تَشارَكنا طريقة التفكير ذاتها. عندما كانت والدتي مريضة في المستشفى وعاجزة عن الكلام، كتبت لي: «لا تتركي خالتك!». شكّل هذا الطلب دافعًا إضافيًّا لأكمل المسيرة إلى جانبها، ولا سيّما في أوقات ضعفها. هذا الالتزام ينبع من إيمان يغذّي الروح بالمسيح ومريم العذراء.
على الرغم من أنّ الاهتمام بخالتي قد سبّب لي بعض الثغرات في العائلة والعمل إلا أنّني بقيت إلى جانبها. اليوم، أهتم بصفحتها على فيسبوك وإنستغرام، بناءً على وصيّتها: «امنحي الناس جوًّا إيجابيًّا كما كنتُ أفعل. لا توقفي الصفحة ليذكرني الناس». حمّلتني مسؤوليّة أن أكون على مثالها.
قالت لي دائمًا: «أرسلي قبلات للناس، وامنحيهم المحبّة».
كانت خالتي مثالًا للصبر والحكمة، وعرفت كيفيّة التعامل مع الناس على الرغم من أذيّة البعض. وهنا، أعتبر أنّ مقابلة الشرّ بالخير تجسيد للإيمان.
-في ما يتعلّق بالجانب الروحي للصبّوحة الذي نادرًا ما يُسَلَّطُ الضوء عليه، ماذا تخبرينا عنه؟
كانت صباح مؤمنة جدًّا. آمنت خالتي بدينها وبكل الأديان السماويّة.
كنا نزور معًا كنيستَي القديسة تريزيا الطفل يسوع في الحدث وسهيلة، وضريح مار شربل في دير مار مارون-عنّايا. كانت تكِنّ محبّة خاصة للقديسة تريز الصغيرة، وتطلب شفاعتها باستمرار.
انعكس الإيمان في جذور عائلتها إذ كان جدّها كاهنًا (والد شحرور الوادي)، ما يُبرز تأثير الروحانيّة في كنفها. أخلصت لإيمانها بيسوع المسيح ومريم العذراء، وخصّصت كابيلا للصلاة في منزلها، فكانت تبدأ يومها بتسليمه للربّ.
إنسانيّتها وعطاؤها اللامحدود شكّلا دليلًا واضحًا على إيمانها. وقد أحيت حفلات خيريّة خصّصت عائداتها لبناء الكنائس، مثل كنيسة مار شربل في أدونيس، وساهمت في بناء دور عبادة ومدارس، ودعمت جمعيّات خيريّة كثيرة.
-هل أنصفت الحياة الصبّوحة؟
نعم، أنصفتها الحياة، فقد كانت تقول إن الله منحها أكثر ممّا تستحق، وتردّد دائمًا: «المجد للربّ الذي غمرني بعطاياه». وهبها الله صوتًا استثنائيًّا وشخصيّة قويّة وإرادة لا تعرف الانكسار.
تحدّت الظروف والمرض بإيمان راسخ «بقدرة ربّنا»، بحسب قولها.
تحلّت بإيمان متجدّد. عندما سُئلت إذا كان تقدّمها في العمر يعني انتهاء دورها الفنّي، أجابت بثقة: «هل انتهى دور أمّ كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش وبيتهوفن وإلفيس برسلي ومايكل إنجلو وشكسبير؟». قصدت بذلك أنّ التوقف عن الغناء لا يعني انتهاء دور الفنّان.
اسم الصبّوحة خُلِّدَ في تاريخ الفنّ اللبناني. أودّ أن أشير إلى منافستها الودّية مع عملاق لبنان وديع الصافي إذ شكّل التباري بينهما لإظهار القدرات الصوتيّة دافعًا لتقديم أفضل ما لديهما.
-ما أهمّ قيمة أو ثروة منحتها الصبّوحة للفنّ في لبنان والعالم العربي والعالم؟
ساهمت صباح في إغناء الفنّ بكل أبعاده؛ شاركت في 83 فيلمًا و23 مسرحيّة، وأحيت حفلات حول العالم لتصل بصوتها وحضورها إلى كل أرجاء المعمورة. حتى يوم رحيلها، تناول الإعلام الغربي سيرتها، ما يثبت نجاحها في الفنّ وتميّزها في الصوت والذوق والشخصيّة.
كما أولت الجيش اللبناني أهمّية خاصة ومحبّة كبيرة، فغنّت له وتغنّت بسماته. في 25 تشرين الثاني 2017، خُصِّصَ يومٌ كامل لتكريمها بعنوان «يوم صباح»، حيث طُلِبَ مني إعداد تليثون لتكريم خالتي في تلفزيون لبنان.
خالتي صباح محفورة في الذاكرة بفضل صفاتها وفنّها. كانت طيّبة القلب وشريفة ورزينة وحكيمة وراقية، ما يجعلني أفتخر بها وبأهلي.
-هل غفرت الشحرورة صباح لمن أساء إليها؟
كانت خالتي تحزن بسبب الأذى الذي تعرّضت له لكنها لم تكن تشعر بالضغينة أو الحقد تجاه مسبّبيه.
في المقابل، كانت وفيّة ومخلصة تجاه الآخرين. بالنسبة إليها، أولادها هم في طليعة أولويّاتها.
-ما أبرز التكريمات أو الأوسمة التي أفرحت قلب الأسطورة صباح وكنتِ حاضرة فيها؟
في العام 1970، كانت أوّل مناسبة رسميّة أشارك فيها مع خالتي الصبّوحة، حين أراد الرئيس اللبناني شارل الحلو تكريمها في بحمدون ومنحها وسام الاستحقاق اللبناني برتبة فارس أكبر الذي كان أرفع وسام في الجمهورية اللبنانيّة. يومها، شعرت بانبهار كبير وبأنّني أطير من السعادة عندما أطلّت خالتي بعظمتها ورقيّها.
أمّا التكريم الأخير لها، فكان في العام 2011، في خلال مهرجانات بيت الدين، في عهد الرئيس ميشال سليمان. يومذاك، قدّمت لها السيّدة الأولى وفاء سليمان وسام الأرز الوطني من رتبة ضابط أكبر الذي كان آخر وسام نالته في حياتها. فرحت صباح بهذا التكريم في أواخر أيّامها.
هذه الذكريات جعلتني أقدّر خالتي وأسعى إلى حمايتها قدر استطاعتي. لقد منحني الربّ القوّة والصبر لأكون بجانبها دائمًا.
خالتي اجتهدت في حياتها معتمدةً على نفسها، وتعلّمت الكثير، وتمكّنت من أن تصبح «ديفا» وأسطورة في مسيرتها الفنّية. تمتّعت بكل صفات الفنّانة المتكاملة.
أقدّرها على كل ما قدّمته، ولا أقف عند أخطائها. أثني على طاقتها الإيجابيّة وبهجتها وحيويّتها وصوتها وكرمها في حياتها الروحيّة والفنّية والإنسانيّة.
كانت معطاءة إلى حدّ كبير، وجسّدت الرقيّ والتهذيب والأخلاق، ولم تفرّق يومًا بين غني وفقير.
-كم وسامًا نالت صباح؟
نالت صباح عددًا كبيرًا من الأوسمة طوال حياتها، ووزّعت الكثير منها تقديرًا منها ومحبّة للآخرين. واحتفظت الأسرة بالكثير منها كذكرى خالدة لمسيرتها.
-ما كلمات الشحرورة الأخيرة؟
كانت تردّد دائمًا: «الله يخلّيلي ياكِ»، و«أنتِ عيّشتيني».
طلبت مني خالتي ألا أتحدّث بالسوء عن أحد، وأوكلت إليَّ تأليف كتاب عنها. وجودي قربها منحها القوّة والأمل، ما ساعدها على مواجهة الحياة والصعاب في سنواتها الأخيرة.
كانت تقول: «سأذهب إلى مكان جميل. لا تقلقوا ولا تحزنوا عليَّ».
أحببت خالتي جدًّا. كنت أقبّل يدها، وأعتبرها بمثابة والدتي. في أيّامها الأخيرة، عوّضت لي غياب أمّي.
-ما الرسالة التي توجّهينها من قلبك إلى قلب الخالة الحبيبة؟
أقول لها: «لقد ألقيتِ مسؤوليّة كبيرة جدًّا على عاتقي». طبعًا، اشتقت لها، وأنا أعيش معها كل يوم وأهتم بصفحتها لإبراز فنّها الجميل وشخصيّتها وطاقتها وتفكيرها ولباسها وذوقها وحياتها الإنسانيّة.
-بمَ تعدين خالتك؟
أعدها بأنّني سأتذكّرها ما دمتُ على قيد الحياة، وسألتزم بما طلبته مني أي أن أُبقي صفحتها مفتوحة، وأن أرسل للناس قبلات وطاقة إيجابيّة، وأن أنشر الكلمات الحلوة التي تخفّف من آلامهم. سأحرص دائمًا على إظهار وجه الحياة الجميل الذي أحبّته وتعلّقت به، وهذا ما أسعى إلى تحقيقه بإخلاص.
-في النهاية، علامَ تشكرين الربّ؟
أشكر الربّ على احتضاني وحماية عائلتي. أطلب منه يوميًّا أن يحمي لبنان، وأسأله الرحمة لأرواح أمّي وأبي وخالتي، وأتوسّل شفاعة القديسين، وأصلّي من أجل شفاء المرضى لأنّ صعوبات الحياة لا تُواجَه إلا بالإيمان.
بإيماني أزداد قوّة وثباتًا، وأُلهِم الآخرين بالكلمة الطيّبة لأنّها الأقوى.