كرم صايغ
في أثناء تصفّحي مختلف منصّات التواصل الاجتماعي، تأسرني مشاهد النزوح، ربما لأنني عشتها وكنت ضحيّة لها في يوم من الأيام، وحينما تتكرّر أرى نفسي أسير عقلي الباطن الذي لا يزال يخبرني بألم الحرب.
نعم، الحرب التي تمزّق أطفالًا لم يفهموا صراع الحُكّام لأنهم يرون الله في كل مكان “في ابتسامه أب أو أمّ، في أيقونة وفي السماء نفسها”. هم أنفسهم الذين حدّثني ربّي عنهم في إنجيله ليخبرني بأن الطفولة لها قدسيّة تفوق الإنسانيّة نفسها: “دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ اللهِ” (لو 18: 16). فما غاية الحاكم أن يُدخل طفلًا في صراع لم يفهمه حتى؟
المشهد الذي أراه يمزّق أوكرانيا اليوم هو نفسه الذي رأيته على شواطئ أوروبا قبل سنوات عدّة حينما كان أطفال بلدي يبحثون عن شاطئ يُنقذ غرقهم، الأطفال أنفسهم ولكن بجواز سفر مختلف، الأطفال أنفسهم ولكن بذاكرة مختلفة… المُجرم واحد ولو اختلف هو نفسه بالجنسيّة مع غيره.
“ما هو الحصاد يا ربّ؟ ألم تطلب منا أن نزرع؟ ألم يخرج من فيك مثل الزارع؟ فأي حصاد لنا في وسط المخاض هذا؟” هكذا ناجيته صارخًا لأجل الطفولة، فشدّ ساعدي في وسط ظلامٍ خيّم فوق العاصمة بيروت ليُريني نورًا شقّ سماءها، قائلًا: “في العَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ” (يو 16: 33). غلبته يا سيّدي وسط ألمك.
المخاض يسبق الولادة دائمًا، وسؤالي: أيّ ولادة لأولاد وُلدوا أصلًا؟! ولكن كيف لا ينتصر سكون صنعه سيّدي حينما رفع يده فوق القارب وأسكت العواصف؟ فلا مناجاة تفوق صرختي لك يا ربّ: “تعال أيها الربّ يسوع!”