إيلين زغيب عيسى
«أنتم ملح الأرض» (متى 5: 13). هذه الآية التي قالها السيّد المسيح لتلاميذه بقيت تحفر منذ ألفَي عام في وجدان المجموعة المسيحيّة في الشرق، على الرغم من الأيّام المظلمة والظالمة التي مرّت بها، جيلًا بعد جيل. واليوم، وفيما يعبر لبنان مرحلة مصيريّة، أظهر المسيحيّون مرّة أخرى أنّهم حُماة هذا البلد الرسالة.
بتنوّع توجّهاتهم، وعلى اختلاف المحاور السياسيّة التي ينتمون إليها، أعلن مسيحيّو لبنان اليوم وقوفهم صفًّا واحدًا مع الإخوة في الوطن والشركاء الذين يعيشون معاناة إنسانيّة ثقيلة جدًّا. وعلى الرغم من شعور هؤلاء المسيحيين بأنّ السلطة التي تدير البلد حاليًّا مختلّة التوازن وظالمة لهم، فإنّهم في الليلة الظلماء، عندما غرق البلد في الكارثة الكبرى، تناسوا معاناتهم الخاصة، ووقفوا مع الشركاء من أبناء وطنهم معلنين التضامن معهم.
هؤلاء المسيحيّون، على اختلاف محاورهم، كانوا السبّاقين إلى استشراف الكارثة الآتية، وحذّروا تكرارًا من عواقب انخراط لبنان في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل. وقد ظهر اليوم أنّ تحذيراتهم كانت صائبة تمامًا، وأنّ إمعان البعض في تجاهل الحقائق دفع لبنان إلى الكارثة. وكان على هذا البعض أن يراجع حساباته قبل فوات الأوان، والاعتراف بالخطأ بدل إسكات أصوات الوعي وتخوين أصحابها. ولكن، مع ذلك، تجاوز المسيحيّون اليوم كل الصغائر واختاروا الوقوف بصلابة وإخلاص مع الإخوة والشركاء في الوطن.
على الصعيد السياسي، أعلن الرئيس السابق ميشال عون، على الرغم من مناشدته المعنيين إبعاد لبنان عن نار الحرب لئلا تحرقه، تضامنه مع أبناء الوطن في محنتهم. أمّا رئيس حزب القوات اللبنانيّة د. سمير جعجع، فاتّخذ موقفًا يتحلّى بالمسؤوليّة إذ أعلن أنّ اللحظة الآن ليست للمحاسبة بين أبناء الوطن بل للتضامن. وهذا أيضًا موقف رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل وسائر القادة المسيحيين داخل هذا الصف. والأهمّ هو أنّ هذه المواقف ظلّلتها الهامة الروحيّة الجامعة، هامة بكركي التي «أُعطيَ لها مجدُ لبنان». وهي من هذا الموقع المعنوي الوازن دعت إلى دورٍ فاعل للأمم المتحدة في حماية الوطن الذي كان لها الفضل في تأسيسه بحدوده الحاليّة قبل أكثر من 100 عام.
لبنان بلد القداسة والقديسين، والأرض التي وطئها السيّد المسيح وباركها، هو أمانة في أعناق أبنائه ليبقى بلد الرسالة، كما وصفه البابا القديس يوحنا بولس الثاني ذاتَ يوم، مانحًا ترابه وأهله البركة والشفاعة.